نازحو غزَّة في مواجهة الذباب والتيفوئيد

mainThumb
نازحو غزَّة في مواجهة الذباب والتيفوئيد

26-04-2025 03:12 PM

printIcon

أخبار اليوم - في قطاع غزة لم يعد الخوف يقتصر على القصف أو الجوع، بل باتت الحشرات والروائح الكريهة، والذباب والبعوض، أعداءً كل يوم لسكان مراكز الإيواء والخيام. فمع استمرار العدوان الإسرائيلي ومنع إدخال المعدات والمستلزمات الصحية، باتت الخيام التي يقيم فيها مئات الآلاف من النازحين تحاصرها برك مياه الصرف الصحي، وأكوام النفايات، في مشهد يختصر الألم الإنساني والكارثة الصحية المتفاقمة.

ومع درجات الحرارة التي ترتفع يومًا بعد يوم، تتكاثر الحشرات الناقلة للأمراض في كل زاوية من زوايا الخيام. الذباب يغزو وجوه الأطفال، والبعوض لا يترك جسدًا دون أن يلسعه. الرائحة تزكم الأنوف، والوضع الصحي ينهار دون وجود حلول، أو حتى وعود قريبة.

في مركز إيواء بمنطقة الشاطئ الشمالي، يقول أنس الخطيب بصوت منهك: "الذباب والبعوض أهلكونا. لم نعد نعرف النوم. الخيام مكشوفة، وكل الحاويات امتلأت، وأكوام القمامة تحيط بنا من كل الجهات". يضيف بحرقة: "أطفالي بدأوا يعانون من التهابات جلدية، والحكة لا تفارق أجسادهم. لا ماء نقي، ولا أدوية، ولا رش للمبيدات... فقط الخوف والمرض".

ما يشهده سكان الخيام لا يمكن وصفه سوى بأنه مأساة إنسانية بكل أبعادها، فانتشار الحشرات في مناطق تجمع النازحين بات ينذر بكارثة صحية، خاصة مع غياب المياه النظيفة، وندرة المواد الوقائية، واستحالة توفير وسائل النظافة الشخصية. في ظل ذلك، تظهر أعراض أمراض جلدية، وحساسية، والتهابات تنفسية على عشرات الأطفال، مع تصاعد التحذيرات من إمكانية تفشي أمراض خطيرة مثل التيفوئيد والكوليرا.

الحاج أبو سمير جودة، الذي اضطر لنصب خيمته قرب إحدى مدارس الإيواء غرب غزة، يقول بأسى لـ "فلسطين أون لاين": "خيمتي أصبحت ملتصقة بأكوام النفايات ومجاري الصرف الصحي التي تفيض من الشوارع. الروائح الكريهة لا تطاق، والذباب والحشرات في كل مكان". يتوقف قليلاً ويضيف بنبرة يائسة: "أخشى على أطفالي من الأمراض، ولا يوجد شيء يحمينا، لا رش، ولا تنظيف، ولا ماء، ولا علاج".

الكثير من العائلات التي فرت من منازلها المدمرة، وجدت نفسها محاصرة في دوامة جديدة من المعاناة. لم يكن يكفيهم ألم فقدان البيت والأمان، حتى وجدوا أنفسهم عرضة لأمراض قاتلة تهدد حياتهم في كل لحظة. في كل مخيم نزوح، يتكرّر المشهد ذاته: خيام متلاصقة، أطفال حفاة، نفايات مكومة، ومستنقعات مياه آثنة تملأ الأزقة.

محمود أبو طبيخ، نازح من منطقة تل الهوى، يروي محنته قائلًا: "نزحت من بيتي المدمر مع أولادي. في البداية اعتقدنا أن الخيمة ستكون ملاذًا مؤقتًا، لكنها تحولت إلى كابوس. الذباب يغزو طعامنا، والبعوض يمنع النوم، والروائح لا تطاق". ويضيف: "اضطررت لنقل خيمتي ثلاث مرات، كلما تراكمت النفايات وتفاقم الوضع، لكن في كل مكان نفس المأساة. لا مهرب من الذباب... ولا من المرض".

البلديات في غزة تبدو كمن يقاتل بلا سلاح. الحصار الإسرائيلي يمنع دخول الوقود والمعدات، كما أن 85% من آليات البلديات قد دمرت بالكامل جراء القصف. يقول المتحدث باسم بلدية غزة، عاصم النبيه، إن قوات الاحتلال تمنع طواقم النظافة من الوصول إلى المكب الرئيسي شرق المدينة، ما أدى إلى تراكم أكثر من 175 ألف طن من النفايات في الشوارع.

وأضاف النبيه أن طواقم البلدية لجأت إلى إنشاء مكبات مؤقتة داخل الأحياء السكنية، مما ضاعف خطر انتشار الأمراض. "الوضع يزداد خطورة، خاصة في مناطق الإيواء حيث يعيش النازحون قرب النفايات، دون أي وسيلة للوقاية"، يقول النبيه محذرًا من "كارثة صحية محققة إذا لم يتم إدخال المعدات الثقيلة والوقود فورًا".

النداءات الصادرة من غزة ليست مجرد صرخات ألم، بل تحذيرات من انهيار صحي شامل. في بيان لها، حذرت وكالة الأونروا من أن تراكم القمامة وانتشار الذباب والبعوض يشكّلان خطرًا داهمًا على حياة مئات الآلاف من السكان، خاصة الأطفال وكبار السن. وأكدت أن الكثير من العائلات باتت "تعيش وسط النفايات، ما يزيد من احتمالية تفشي الأوبئة في أي لحظة".

في غزة اليوم، تحولت الخيام من مأوى إلى فخ. لا نوافذ تُغلق، ولا جدران تقي، ولا أدوات تحمي من خطر المرض الزاحف. بين كل صرخة طفل، ونظرة أم يائسة، وبين كل لدغة بعوضة وحشرجة صدر متعب، تقف الإنسانية أمام اختبار قاسٍ. فهل يسمع أحد هذا الأنين؟ وهل تتحرك الضمائر قبل أن يتحول الذباب إلى ناقل موت جديد في غزة المحاصرة؟

المصدر / فلسطين أون لاين