عادت الطفلة آية ذات الست سنوات إلى منزل ذويها لتخبر والدتها بانها ستصوم اعتبارا من اليوم التالي، فالمعلمة أخبرتهم بأن كل طفل صائم سيحظى بتكريم بعد عطلة عيد الفطر السعيد، لكن الأم أكدت لها أن صيامها سيكون تدريجيا الى أن تقوى على الصيام كي لا يؤثر على نموها في هذا العمر.
لم تكن آية الحالة الوحيدة خلال شهر رمضان المبارك، فقد حصلت على نموذج تم إرساله لولي أمر أحد الطلاب بالصف الأول تطلب المدرسة من ولي الأمر تعبئته ويشتمل على سؤال "هل أكمل الطفل الصيام إلى المغرب أم أفطر قبل ذلك؟".
ولبيان حجم هذه الظاهرة تتبعت (بترا) القضية وسألت متخصصين ومسؤولين عن صيام الأطفال تحت سن التكليف الشرعي، حيث أجمعوا على الأثر السلبي لتكريم طلبة دون سواهم، خصوصا وأن الطالب في هذا العمر يتم تدريبه على الصيام المتقطع، وهنا يقع الطفل في أزمة ثنائية الرأي: المدرسة والمنزل.
ويعد تنظيم بعض المدارس مسابقات للأطفال في الصيام أمرا مقلقا لكثير من الأسر التي تقف حائرة بين حماس صغارهم لنيل التكريم المدرسي المنشود وبين استعداداتهم الجسدية والنفسية لذلك.
وأكد متخصصون أن الأطفال غير مكلفين بالصيام حتى يبلغوا سن التكليف الشرعي وهذه المعلومة لا بد أن يدركها الأهالي أولا لكن الاطفال بطبيعتهم يحبون دائما تقليد الكبار ومشاركتهم الصيام وهذا شيء محبب يمكن مساعدتهم عليه.
وأشاروا الى العامل النفسي الذي لا يقل أهمية عن العامل البيولوجي، اذ يخلق صيام الاطفال التام في ارتباطا وثيقا بأن الصوم مشقة ما ينفرهم منه وهو ما يتنافى مع مقاصد تحبيبهم للصيام.
فالأصل هو عدم وجوب الصوم للطفل الذي لم يصل سن التكليف، ولا إثم عليه أو مسؤولية شرعية في حال عدم الصيام، وفقا لأستاذ الحديث الشريف في جامعة اليرموك الدكتور خالد محمد الشرمان وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، والصبي حتى يحتلم، والمجنون حتى يعقل"، ولكن في حال قيام الطفل بالصيام؛ فصيامه صحيح وله الأجر عن صيامه.
استشاري الجهاز الهضمي والكبد وتغذية الأطفال في كلية الطب بالجامعة الاردنية الدكتور فريد خضير يوضح أن عمر الطفل يلعب دورا رئيسا في تحديد إمكانية صيامه يوما كاملا حيث يتمكن ابن العاشرة فسيولوجيا من ذلك، مشيرا إلى ضرورة تدريب الفتيان على الصوم تدريجيا قبل الإقدام على الصيام التام في سن التكليف.
وأشار الى أن القاعدة العامة تقول إن أي طفل بلغ 6 من عمره يستطيع التدرب على الصيام ما لم يكن لديه عوارض صحية أو أمراض مزمنة تحول دون ذلك.
ويلعب الاستعداد الجسدي والنفسي من ناحية طبية عاملا أساسيا في هذا الأمر إذ يؤخذ بعين الاعتبار حماس الطفل بالإضافة إلى مراعاة بنيته الجسدية من حيث الطول والوزن ويبدأ التدريب التدريجي للصيام في سن السادسة وهو ما يعرف اجتماعيا "بصيام العصفورة".
وحذر في السياق من آثار سلبية على فسيولوجية جسم الطفل حال امتناعه عن الطعام والشراب لساعات طويلة منها الإنهاك والتعب وانخفاض مستوى السكر بالدم، وكذلك اختلال تراكيز الأملاح فيه وبالتالي إصابتهم بالجفاف، وقد تتطور بعض الحالات لتصاب بتشنجات وحركات لا إرادية قد تؤدي لإصابات السقوط غير المتوقع والمفاجئ.
ويؤكد رئيس قسم الإرشاد في وزارة التربية والتعليم بسام هباهبة أهمية التكامل بين دور المدرسة ودور الأسرة لتوفير دعم نفسي واجتماعي تشجيعا للطلاب للبدء بالصيام عند بلوغهم سن 6 لمدة تتراوح بين 4 - 5 ساعات مع أهمية تفعيل لغة الحوار لإدراك الفروقات الفردية مع مراقبة الحالة.
من جانبه يشير أستاذ علم الاجتماع في جامعة مؤتة حسين محادين، إلى أن الأطفال يمثلون سلوكيات المعتقد وفقا لأنماط التنشئة في أسرهم مع ملاحظة اختلافاتهم النفسية والجسدية، مبينا أن بعض الأسر تتشدد إزاء أطفالها في تبني القيم الدينية بينما تتسم أخرى بكونها أكثر تسامحا.
وأكد أهمية معرفة أن ما يحمله الطفل من معتقدات دينية هي شأن ذاتي ويعد من سمات نموه النفسي والقيمي ولذلك ليس لأي مدرسة الحق التربوي أو القانوني بزج موضوع الصيام من عدمه كواحدة من مؤشرات تقييم الأداء أو حتى إعطاء التعزيز لطلبة وحجبه عن آخرين وفقا لدرجة تمثله لها.
وبين محادين أن علم اجتماع التربية ينظر إلى ان الطفل يشعر بأن هناك استبعادا اجتماعيا ونفسيا مبنيا على فكرة الصوم او عدمه وهذه ممارسة خاطئة تجعل من الطفل غير الصائم شخصا انسحابيا وتضعف درجة تفاعله مع مدرسته ومنهجه وأساتذته وتزرع هذه الممارسات أحيانا بين الطلبة نوعا من الحدة والعنف النفسي واللفظي.
وأكد أهمية أن يقوم التحفيز على أسس علمية تعمق السلوك المميز والمرغوب به لدى الطفل في حقل ما وتحث غيره على تطوير قابليته للتعامل مع الموضوعات المتنافس عليها.
وتقول أخصائية العلاج النفسي السلوكي أمل الكردي إنه في حال تم فرض صيام نهار كامل على الطفل وهو يعني وضع الطفل بأحد موقفين وكلاهما مؤذ له، الأول أنه يضغط على نفسه ويصوم صيام الكبار كي يحصل على جائزة وبذلك ندخله قسرا في مسائل بيولوجية سلبية مثل هبوط الضغط أو السكر أو الجفاف أو الارهاق الشديد، والثاني أنه بحكم صغر سنه فلن يتمكن من إتمام الصيام وبذلك سيحرم من الحافز الذي حصل عليه زملاؤه وبالتالي سيشعر بالنقص والدونية والذنب.
وترى الكردي أن التصرف الأمثل يكمن في تحفيز الأطفال دون العشر سنوات علي الصيام المتقطع خلال النهار، ليصبح جاهزا لاحقا عند وصوله لمرحلة القدرة الجسدية والنفسية للصيام.
واكدت أن التدرج في التدريب على الصيام يكون بمحفزات معنوية أو مادية ما يعزز ثقة الطفل بنفسه ويحببه بالصيام دون الشعور بعقدة الذنب التي ستلاحقه طويلا.
--(بترا - رزان المبيضين)