رجل بعشرة قلوب .. أبو محمد الكحلوت وصراعه من أجل البقاء

mainThumb
رجل بعشرة قلوب.. أبو محمد الكحلوت وصراعه من أجل البقاء

19-04-2025 10:12 AM

printIcon

أخبار اليوم - في حي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة، وسط ركام البيوت وغيوم الدخان التي لا تغيب، يعيش المواطن أبو محمد الكحلوت (52 عامًا) مع عائلته المكوّنة من عشرة أفراد، بينهم ثلاثة من ذوي الاحتياجات الخاصة، في مشهد تختلط فيه ملامح المأساة بالصبر والإيمان.

"النزوح من مكان إلى آخر عذاب لا يُحتمل"، بهذه الكلمات بدأ أبو محمد حديثه، مستذكرًا تلك اللحظات القاسية التي اضطر فيها لحمل أفراد أسرته واحدًا تلو الآخر، تحت القصف الإسرائيلي المتواصل، في مايو الماضي عندما غادر رفح متجهًا إلى خان يونس. لم يكن الأمر مجرد انتقال، بل كان سباقًا مرعبًا مع الموت.

يروي أبو محمد لحظات النزوح فيقول لـ "فلسطين أون لاين": "أمّنت نصف العائلة أولًا، ثم عدت لأحمل ابنتي الكبرى البالغة 21 عامًا، وهي من ذوي الاحتياجات الخاصة، مرة على ظهري، ومرة أُسندها لتتكئ على عكازها. المدافع تقصف، والطائرات تحوم، وأنا لا أملك إلا ذراعيّ وحبّي لهم."

يتوقف للحظة، ويتابع بصوت يرتجف: "جلست في وسط الطريق وبكيت بحرقة، رفعت يديّ إلى الله عاجزًا... كنت أبكي ليس فقط لأن القصف يحيط بنا، بل لأني لم أستطع أن أحمل أبنائي الثلاثة المعاقين دفعة واحدة، وأنا لا أملك سوى قلب أبٍ يحترق."

يحكي أبو محمد عن معاناة يومية لا تنتهي، فالألم يشتد في زمن الحرب، أما هو فعليه أن يواجه كل ذلك دون دخل أو معين. "أنا لا أعمل، ولا أملك أي مصدر رزق، فكيف أعيل عشرة أرواح؟! المواطن العادي يتألم من ضيق الحال، فكيف بمن لديه ثلاثة من ذوي الاحتياجات الخاصة؟"

ويسترسل: "أطفالي يحتاجون إلى أدوية خاصة، وإن وُجدت في السوق، تكون أسعارها خيالية. لا أملك ثمنها، ومع كل يوم يمر دون علاج، أرى عيونهم تنطفئ رويدًا رويدًا."

يتحدث عن ابنه الصغير الذي لا يفهم معنى الحصار أو إغلاق المعابر: "كل ما يعرفه أنه جائع. يأتي إليّ ويقول: 'بابا، بدي آكل'... وأنا أقف أمامه عاجزًا، أبحث عن لقمة أو فتات أسدّ بها جوعه."

عاد أبو محمد مؤخرًا إلى منزله المدمر، بعد أشهر من النزوح المتكرر والتشرّد، ليجد بيته مجرد ركام. "فقدنا الأهل، الأصدقاء، والجيران... كل شيء تغيّر. لكن رغم الدمار، قررت البقاء هنا. استصلحت زاوية صغيرة من تحت أنقاض بيتي لأعيش فيها مع عائلتي. لا مكان لنا سواها."

يصف الحياة تحت البيت المدمر بأنها "معركة يومية" لتوفير أبسط مقومات الحياة: "الماء؟ يحتاج إلى معجزة. الطعام؟ يعتمد على مساعدات نادرة. الكهرباء؟ حلم. ومع ذلك، نحمد الله ونصبر، فما لنا غير الصبر."

ورغم الألم والفقد والدموع، فإن أبا محمد لا يزال يتمسك بالأمل والإيمان: "سنعيد ما دمّره الاحتلال... وسنبقى صامدين. نحن أصحاب الأرض، وإن كانت الحياة صعبة، فلن نهرب منها، ولن نتركها."

قصته ليست مجرد رواية عابرة، بل هي شهادة على وجع شعب بأكمله، يعاني بصمت تحت حصار ظالم وحرب لا ترحم. أبو محمد ليس وحده، بل هو وجه من وجوه كثيرة في غزة تُقاتل من أجل الحياة، وتُثبت في كل يوم أن الإرادة أقوى من الدمار، وأن الحبّ والعائلة يصنعان معجزة البقاء.

في عيون هذا الرجل، تقرأ وجعًا عمره سنوات، وتلمح نورًا لا ينطفئ، رغم دخان الحرب وغبار الحصار. أبو محمد الكحلوت، الرجل الذي حمل أبناءه تحت القصف، لا يزال يحمل غزة في قلبه، بكل تفاصيلها، حزنها، وجراحها... وصمودها.

المصدر / فلسطين أون لاين