هلا الرشق
في الايام الماضية ، شاع ان ترامب ارسل خطاب رسمي إلى المرشد الأعلى في ايران " خامنئي " من خلال الإمارات ، وبشكل ادق عبر أنور قرقاش مستشار الرئيس الإماراتي ، اثارت هذه الرسالة مجموعة من التساؤلات اهمها ، ما مضمون هذه الرسالة ؟ ولما تم اختيار الإمارات لايصال الرسالة إلى ايران على الرغم من اننا اعتدنا على سماع اسم عُمان يدور في مثل هذه الدبلوماسية او هذا النوع من الوساطة بين امريكا وايران .
ترامب في رسالته لايران بحسب عدة تقارير إعلامية أمريكية امهل ايران شهرين فقط للرد عليه بشأن برنامجها النووي او بمعنى ادق الوصول إلى اتفاق بهذا الشأن ، وان لم يتم التوصل لصيغة اتفاق ف ستضرب امريكا البرنامج النووي الإيراني ، ولكن لا بد من الذكر هنا ان امريكا قد طرحت خمسة شروط على ايران وفي حال وافقت ستقوم بمكافئتها في عدة جوانب.
الشروط هم اولا ان توافق ايران على مقابلة شخصية وعلنية بين خامنئي وترامب ، شيء يشبه لقاء ترامب برئيس كوريا الشمالية سابقا ، الشرط الثاني تفكيك البرنامج النووي الإيراني العسكري ، الثالث ، التوقف التام عن تهديد إسرائيل ، إلى جانب التوقف التام عن تهديد المصالح الأمريكية في اي مكان في العالم ، واخيراً والاهم التوقف التام عن دعم محور الممانعة الإيراني او بالأحرى حزب الله والحوثيين والمسلحين الشيعة في العراق ، وعند هذا الشرط يمكن طرح وجهة نظر مهمة تقول ان تدمير اذرع ايران يندرج تحته بندين وهما ، إضعافهم عسكريا وتدمير عقيدتهم القتاليّة .
عقيدتهم القتالية التي كلفت ايران سنوات لبناءها اهم بمراحل من قدرتهم العسكرية التي يمكن اعادة بناءها في اي لحظة ، الفكرة هنا انه في حال سلمت ايران مفاتيح اذرعها في المنطقة لأمريكا ، فلا نستبعد ان نتبناهم امريكا من جديد لقلب عقيدتهم القتالية ضد ايران ، فيصبح عدوهم الحقيقي هو ايران بدلا من امريكا ، وهذا ما تعلمه ايران وترفضه بشكل قاطع ، لذلك يمكن ان تكون قد تهاونت بما يخص قدرتهم العسكرية وتهاونت في الضربات الموجهة لهم ، اما التخلي عنهم بشكل كامل فهو غير مطروح على الطاولة الإيرانية .
في المقابل ، سترفع امريكا العقوبات عن ايران لإعادة إنعاش الاقتصاد الإيراني ، وسيتم اعادة فتح السفارات بين البلدين وإعادة التمثيل الدبلوماسي الذي توقف من سنة 1979 بسبب الثورة الإسلامية وقتها ، وسيضمن ترامب في ذات الوقت دخول مستثمرين أمريكان للاستثمار في ايران لضمان دعم مستمر للاقتصاد ، ويمكننا تلخيص هذه المكافآت المطروحة على الطاولة بجملة واحدة وهي " امريكا التي عزلت ايران اقتصاديا ، هي ذاتها من ستعيده للحياة "
امريكا تعلم ان لها اليد العليا في المفاوضات تحديدا وأنها قد حاصرت ايران من كل الجوانب في شروطها وفي ضرباتها ضدها على مر السنوات ، وحاليا لها اليد العليا لكونها بدات بحصارها على الارض بالفعل .
ولكن الأسلوب التفاوضي الأمريكي تحديدا في حالة ايران ، هون طلب الكثير للموافقة على الاقل ( المطلوب من البداية ) ف مثلاً، بدلا من ان تقبل ايران بالتخلي عن برنامجها النووي ، يمكن العمل على كونه برنامجا نوويا سلميا بدلا من العسكري ، وبدلا من التخلي عن اذرعها بشكل كامل ، يمكن على الاقل تجميد نشاطهم العسكري وهكذا ..
اما بما يخص سبب ارسال هذا الخطاب عبر الامارات بشمهد غير معتاد ، هو ان عُمان هي من رفضت تسليمه لايران لكونها وسيط لا يحمل بيده اي تهديدات لايران من اي طرف كان ، في نفس الوقت ، عندما ردت ايران على امريكا ردت من خلال عمان ، مما يوحي لنا بايجابية الرد الايراني.
وحتى لا نخوض كثيرا بالتفاصيل الإخبارية ، ما اود طرحه الان هو وضع ايران الحقيقي داخليا ، وحجم حلفاؤه خارجيا .
في حالة ايران ، فليس لديها حليف قوي سوى روسيا والصين ، وفي النظر إلى روسيا نجد ان مصالحها على الاقل اليوم ليست على نفس الصفحة مع ايران ، فهي اي روسيا ، في تفاهم كبير مع اميركا في ملف اوكرانيا ، بل وحتى لها الكلمة العليا واغلب شروطها مجابة ، في وضع لم تكن قد شهده بهذا الزخم منذ الحرب الباردة ، ف لا نظنها قد تضحي بهذا التقدم لاجل عيون ايران .
اما الصين ، فيمكن تطبيق نفس سيناريو روسيا عليها ، ف هي لن تخوض حربا لا ناقة لها فيها ولا جمل لاجل ايران وان دعمت ايران يتوقف دعمها ، على أمور ليست حاسمة كما راينا في حالات مشابهة على مدار السنوات ، ف الاولى لها اي الصين ، ان تضمن انشغال اميركا باي بقعة في الارض ، لتتفرغ لاستعادة تايوان بعيدا عن أنظار اميركا .
بالنظر إلى الوضع الداخلي لايران ، نرى ان اقتصادها في انحدار مستمر ، 40% من الشعب الايراني تحت خط الفقر ، ووصلت معدلات التضخم الى 45% سنة 2024 ، العملة الإيرانية في انهيار لدرجة عزل وزير الاقتصاد لهذه الأسباب .
اجتماعياً، وعلى المستوى الشعبي ، نرى مظاهرات حاشدة في الشوارع على مدار ايام اعتراضا على الكثير من ضمنه افعال شرطة الأخلاق الإيرانية .
الخلاصة ، ان ايران غير قادرة على خوض تجربة حرب جديدة مع أطراف مثل اميركا واسرائيل ، لذلك قبلت التفاوض مع فرض مجموعة من الشروط اولها ان تكون المفاوضات غير مباشرة مما يضع الفكرة ككل موضع تساؤل ، فمن سيخبر العامة إذا تمت بشكل مباشر أو غير مباشر ؟ يمكن ان يصرح احدهم وينفي الاخر ف تطوي الارض هذا الشرط ابداً مع الوقت ، فهو ليس بتلك الأهمية إلا لصورة الطرفين امام الاعلام .
على الطرف الاخر ، ف هناك مخاوف حقيقية لدى إسرائيل من ايران وهذه المخاوف ما تمثل بالسكوت الايراني طويل المدى على الكثير من الاعتداءات ف ايران دائما تحتفظ بحق الرد إلى أن يُنسى ، لكن اليوم ، ان مُس برنامجها النووي وهي اكثر ما تعول عليه وبرنامجها الصاروخي ، فلم يبقى لديها ما تخسره ، حينها فقط يمكن القول ان عدد المتضررين من هذه الحرب الشعواء لا يُحصى .