أخبار اليوم - منذ السابع من أكتوبر 2023، تعيش دولة الاحتلال تحت وطأة واحدة من أطول وأكلف الحروب في تاريخها، ما أدخل اقتصادها في نفق مظلم من الانكماش والعجز والضغوط الهيكلية. وبينما تتواصل العمليات العسكرية في غزة وتتسع رقعة التهديدات الإقليمية، تتكشف يومًا بعد يوم ملامح أزمة اقتصادية عميقة، تهدد بتغيير جذري في بنية المنظومة الاقتصادية الإسرائيلية لعقود مقبلة. في هذا السياق، تتوالى التحذيرات من خبراء الاقتصاد، الذين يرون أن ما تواجهه دولة الاحتلال ليس أزمة طارئة أو ظرفية، بل تحوّل هيكلي قد يصعب احتواؤه دون حلول جذرية تبدأ بوقف الحرب واستعادة الاستقرار.
يرى الخبير الاقتصادي محمد سكيك أن المؤشرات الاقتصادية تعكس أزمة حقيقية تتجاوز الطابع المؤقت، مشيرًا إلى أن الربع الأخير من عام 2023 شهد انكماشًا اقتصاديًا بنسبة 19.4%، وهو أكبر تراجع في الناتج المحلي منذ بداية جائحة كورونا. وتُقدّر الخسائر الاقتصادية الأسبوعية بما لا يقل عن 600 مليون دولار، نتيجة توقف قطاعات واسعة من الأعمال، وتراجع الإنتاج، وإغلاق المؤسسات التعليمية والخدمية. وأضاف سكيك: "أحد أبرز القطاعات التي تضررت بشدة هو قطاع البناء، بسبب غياب العمال الفلسطينيين، بالإضافة إلى التأثير الكبير على سوق العمل نتيجة استدعاء نحو 400 ألف من جنود الاحتياط، يشكّلون ما بين 10 إلى 15% من العاملين في قطاع التكنولوجيا".
وأشار إلى أن ميزانية الاحتلال للعام 2025 جاءت مثقلة بزيادة في الإنفاق العسكري بلغت 40 مليار شيكل (نحو 11 مليار دولار)، ما اضطر الحكومة إلى فرض ضرائب جديدة لتغطية العجز، وهو ما انعكس سلبًا على القدرة الشرائية. وأوضح أن بنك إسرائيل أبقى على سعر الفائدة عند 4.5% منذ أواخر 2023 وحتى أبريل 2025، في محاولة للسيطرة على التضخم، الذي بلغ 3.4% في فبراير الماضي، متجاوزًا النطاق المستهدف (1-3%).
من جانبه، يؤكد د. هيثم دراغمة، المختص في الشأن الاقتصادي، أن دولة الاحتلال تواجه أزمة مركبة تتجاوز البعد الاقتصادي لتشمل الأمن والجغرافيا السياسية، موضحًا أن الاقتصاد الإسرائيلي بدأ يُظهر علامات وهن واضحة، في ظل تورط الاحتلال في حرب مفتوحة النهايات، لا تلوح لها نهاية قريبة، ولا تملك دولة الاحتلال رفاهية تمويلها دون دفع أثمان داخلية متصاعدة. ويتابع دراغمة لـ"فلسطين أون لاين" أن تكاليف الحرب على غزة تجاوزت كل التوقعات، ومع اتساع رقعة الاشتباك الإقليمي، خصوصًا مع تصاعد الهجمات من اليمن، باتت سلاسل الإمداد وخطوط التجارة البحرية تحت ضغط غير مسبوق.
ويحذر من أن العجز في الموازنة وصل إلى 8.1% من الناتج المحلي في منتصف 2024، بينما قفز الدين العام إلى 160 مليار شيكل، منها 81 مليارًا تم اقتراضها منذ اندلاع الحرب، مشيرًا إلى أن الوضع المالي الحرج يهدد التصنيف الائتماني لدولة الاحتلال على المدى القريب. واختتم دراغمة حديثه بالقول: "نحن لا نتحدث فقط عن ضغوط آنية، بل عن انتقال دولة الاحتلال من اقتصاد في حالة طوارئ مؤقتة إلى أزمة بنيوية عميقة، الخروج منها يتطلب وقفًا فوريًا للحرب، وإعادة ترتيب الأولويات الاقتصادية، وبناء الثقة في السوقين المحلية والدولية". وتشير المعطيات الاقتصادية إلى أن دولة الاحتلال دخلت مرحلة حرجة من التباطؤ والضغط المالي، في ظل حرب مستمرة تستنزف الموارد وتُضعف الركائز الاقتصادية الأساسية. المصدر / فلسطين أون لاين