سالي الأسعد
يُعَدُّ شهر رمضان المبارك فرصةً عظيمةً للتقرب إلى الله.. الشهر الفضيل شهر الروحانيات والصفاء، الذي تسمو فيه النفوس، وتزدهر فيه مشاعر الرحمة والمغفرة، مما يجعله محطة إيمانية ينتظرها الجميع.
المفارقة العجيبة أن هذا الشهر، الذي يفترض أن يكون فرصةً للسمو الروحي، يشهد أعلى معدلات الإنتاج الدرامي العربي، لكن للأسف، أصبحت هذه الأعمال تفيض بمشاهد العشوائيات، وتشجع على العنف والبلطجة، مستخدمةً لغةً نابية، تعكس صورةً مشوّهة عن المجتمع العربي. الدراما، التي كانت يومًا جزءًا أصيلًا من ذاكرة المشاهد العربي، شهدت تحوّلًا خطيرًا في السنوات الأخيرة، لتصبح وسيلةً لتسويق نماذج سلبية بدلًا من أن تعكس قضايا الشعوب الحقيقية.
على صعيدٍ آخر، تراجعت جودة المسلسلات الكوميدية، من الكوميديا الراقية إلى الضحك المُصطنع وابتعدت عن البساطة وخفة الظل التي كانت تميز أعمالًا مثل العلم نور وحارة أبو عواد، التي دخلت القلوب باللهجة المحببة والعبارات البسيطة. في الماضي، كانت الكوميديا تعتمد على نصوص ذكية تعكس الحياة اليومية بروح فكاهية طبيعية، أما اليوم، فنحن أمام أعمال تدّعي الكوميديا، لكنها تفتقر إلى الروح، وتعتمد على المبالغة والتسطيح والتتفيه والصراخ، دون تقديم مضمونٍ يلامس وجدان المشاهدين.
المؤسف أن الإنتاج الدرامي العربي نادرًا ما يُسلّط الضوء على أبطال حقيقيين من مجتمعاتنا ففي الأردن، على سبيل المثال، لدينا شخصية “أسد القلعة”، التي تستحق أن تُجيَّش لها الإمكانات المادية والفنية لصناعة دراما تليق ببطولته وتنتقل بنا من الحدود المحلية لحدود اقليمية ان اجدنا الصناعه وقدمناها كما يليق ببطولة الشهيد سائد المعايطة .. وابطالنا الأردنيون وهم كثر ويشهد ببطولاتهم العالم..
لكن بدلًا من ذلك، نشهد تركيزًا مفرطًا في الدراما العربية على نماذج البلطجة وتجار المخدرات والإرهابيين واللصوص، وكأنهم الفئات الغالبة في المجتمع العربي! هذا التوجه ليس في الأردن، بل يمتد إلى الدراما المصرية والسورية واللبنانية، التي باتت تُكرّس صورًا نمطيةً سلبيةً عن مجتمعاتنا، مع تجاهل البيوت المستقرة والنماذج الإيجابية التي تستحق الظهور.
الغريب أن ذلك يحدث في وقتٍ أصبحت فيه وسائل التواصل الحديثة تُسهّل انتشار الأعمال الأردنية والعربية عبر الحدود، بل وحتى إلى القارات الأخرى. ومع ذلك، لم يستغل صُنّاع الدراما هذه الفرصة لتقديم محتوى راقٍ يعكس هوية مجتمعاتنا وثقافتها الحقيقية.
يرى البعض أن مناقشة امر وحال الدراما العربية موضوعات سطحيةً وتافهةً، في حين أنها تشكّل جزءًا لا يُستهان به من وجدان وذاكرة الشعوب العربية شئنا ام أبينا. وإذا استمرت فاقدةً للبوصلة، خاضعةً لأهواء المنتجين ومبدأ “الجمهور عاوز كده”، سنشهد موسمًا بعد آخر من الأعمال الهابطة، وسيبقى ازدياد كثافة النقد السلبي عاجزا لا يؤدي الى أي تغيير يُذكر.
من الضروري أن يدرك صُنّاع الدراما العربية أن المحتوى الذي يُقدَّم للجمهور ليس مجرد وسيلة للترفيه، بل هو مرآةٌ تعكس واقعنا، وتسهم في تشكيل وجدان الأجيال القادمة. فإذا استمرت الدراما في تسويق نماذج مشوهة، فإنها ستُكرّس واقعًا زائفًا، ينعكس سلبًا على نظرة المجتمعات إلى نفسها.
الدراما الحقيقية هي التي تُنير العقول، وتُعزز القيم الإيجابية، وتُعيد إحياء النماذج البطولية التي تُلهم الأجيال. المطلوب ليس فقط الانتقاد، بل أيضًا المطالبة بإنتاجٍ درامي أكثر مسؤولية، يُقدّم أعمالًا تعكس حقيقة مجتمعاتنا، وتحترم وعي المشاهد، بدلاً من اللهاث وراء الإثارة الرخيصة والمكاسب التجارية.
إذا لم تتغير هذه المعادلة قريبًا، سنجد أنفسنا ندور في حلقة مفرغة، حيث يتكرر الإنتاج الرديء عامًا بعد عام، فيما يبقى الجمهور العربي متعطشًا لأعمالٍ درامية تحترم ذكاءه، وتعكس قيمه الحقيقية ويجد ضالته في دراما الاخر غير العربي.