حسين الرواشدة
من يُعكّر صفونا الوطني، ومن يجرح وئامنا الاجتماعي ، من يزعزع جبهتنا الداخلية، ومن يحاول أن يزرع أشواك "الفتنة" في تربتنا الأردنية ؟
حان الوقت لكي نتصارح جميعاً ، ونجيب عن هذه الأسئلة بكل أمانة ومسؤولية وشجاعة ؛ لا يمكن ،أبدا ، أن ننجو مما وقع به غيرنا ( وما أكثرهم) من كوارث الانقسام والصدام ، ومن تطاير " أغبرة" الانتهازية ودفع الحسابات لصالح جهات خارجية ، إلا إذا توافقنا على عنوان واحد ، نضبط عليه بوصلتنا ، وهو الدوران في فلك الدولة الأردنية ، والاعتزاز بهويتها الوطنية ، وتجريم كل من يسيء إليها ، او يستقوي عليها، او يوظف مكتسباته منها ضد مصالحها العليا ؛ هؤلاء الذين يفعلون ذلك ليسوا أشباحاً، الملك وصمهم ب" العيب" ، والدولة تعرفهم تماماً، ونحن، الأردنيين، نتابعهم ، ونرصدهم ، أيضاً.
لقد أخطأ البعض حين وضع مسطرة المفاصلة بين مَن هو الأردني أو غير الأردني لقياس المسافات التي تفصلنا عن الأردن، من حيث الانتماء إليه ، والإيمان به ، والإحساس فيه ،صحيح ، كل من يحمل الرقم الوطني والجنسية الأردنية مواطن أردني بحكم القانون ، له حقوق وعليه واجبات، ومن هؤلاء كلهم يتشكل " الجسد الوطني"، لكن المسألة التي تقلقنا تقع في مكان آخر ، وهو "الروح الوطنية"( هذه الروح أدق تعريف للهوية )، وتحتاج إلى مسطرة أخرى ، أقصد الفعل والسلوك والأداء، أو الإنجاز والالتزام والانضباط العام، هنا مربط الأحكام والمقاربات والمحاسبات أيضا.
الأردني الحقيقي الأصيل هو من يُقدّم الأردن على كل من/ ما سواه ، ويرى العالم من خلاله لا العكس ، لا يقايض على بلده ، ولا يستخدمه لنصرة أيدولوجيات عمياء، أو مبايعة آخرين من خارج طينة تاريخه و رموزه، الأردني من يدفع دمه عربوناً للشهادة والكرامة ، من يعتبر عمان وأخواتها اقدس الأمكنة ، الأردني هو الذي يرفع يده تحية للعلم والجيش والعرش ، ولا يرفع غيرها من الرايات الخضراء او الصفراء لأي جهة ، مهما كانت.
لنتصارح أكثر ، على امتداد عام ،شهد بلدنا ، وما يزال ، حملات واعتصامات اختزلت الأردن في الجغرافيا فقط ، وظّفت كل إمكانياتها لحساب قضايا الآخرين واجنداتهم ، رفعت شعارات تخوّن الدولة ، وتحرضها على فتح حدودها للدخول في الحرب ، وتتهمها بمقايضة التهجير بالمساعدات ، ثم اختطفت الشارع (وتحاول الآن اختطاف البرلمان والإعلام ) ، لا تتعامل مع الأردن كدولة وإنما مجرد ساحة ، او طلقة في خطاباتها.
حين قلنا لمن يقف وراءها : أخطأتم ، تدافعوا لإخراجنا من الملة الوطنية والدينية ، واتهامنا بالانعزالية والعنصرية، حدث ذلك على مرأى من إدارات الدولة ، وبتشجيع من بعض الذين اختزلوا الأردن في زاوية (رأس الرمح) لخوض معارك الآخرين ومغامراتهم.
وقتها ، كان من الضروري أن تخرج أصوات أردنية تدافع عن هوية الأردن ومصالحه، وتصدّ هذه التيارات السياسية المنظمة عن المساس بأمننا الوطني ، وتذكرها بتاريخنا وشهدائنا وما قدمناه لأشقائنا من تضحيات ، هذه الأصوات خرجت ، فعلا، من خلال مجموعات من الشباب الأردنيين الذين قاموا بالواجب حين تخلى عنه الآخرون ،لم ينتظروا شكراً من أحد ، ربما أخطأوا أحياناً في التعبير ، لكن هدفهم كان نبيلاً وواضحاً وهو رفع "الحجر الوطني " بأيدي الجميع ، على ثوب واحد، لبناء البيت الأردني الواحد ، بلا مزايدات ولا نضالات مغشوشة، ولا صرخات " ثكلى" تتردد في عمان وحساباتها تصب في الخارج.
أمام هذا المشهد الذي وجدنا أنفسنا وبلدنا فيه ، مَنْ الأولى أن نلوم ونحاسب ، وندين ونردع : هذه التيارات والصالونات السياسية المنظمة والممولة والقادرة على حشد الشارع ، وهذه الميليشيات الإعلامية والسياسية التي تتوزع الأدوار فيما بينها ، وتعرف من "أين تؤكل الكتف " وتتنمر على المجتمع ، وتفجر بالدولة ، باسم الدين والأيدولوجيا ورأس المال ، أم مجموعات بسيطة من الشباب الأردنيين الذين تصرفوا ببراءة، بدافع غيرتهم على بلدهم ، وإيمانهم بدولتهم وقيادتهم ؟
معقول نلوم هؤلاء الشباب الأردنيين الذين استفزتهم الإساءات لبلدهم فنهضوا للدفاع عنه ،او جرحت كراماتهم الإهانات فاندفعوا ، بما لديهم من حماس ، للرد عليها ؟ معقول نضعهم وهم يمارسون "ردات فعل " طبيعية تحرر تاريخنا من الافتراءات ، وتحمي وعي اجيالنا من الانحرافات ، في كفة واحدة ، مع الآخرين الذين يستقوون بمنصات من خارج الحدود ، ويمارسون "أفعالا منظمة"ومقصودة، لاهداف تصب خارج سياقنا الوطني ؟
نعم ، نحن جميعا ،مع القانون الذي يحاسب الجميع ، ومع الجبهة الوطنية المتماسكة التي لا يجوز لأحد أن يخترقها ولو بكلمة، ومع صوت العقل وعدم الانجرار لأي فتنة، لكن لكي نضمن سلامة بلدنا ووئامنا الوطني لابد أن نضع النقاط على الحروف ، ونقول لمن أخطأوا : أخطأتم ، ثم نحاسبهم على ذلك، عندها تستقيم موازين العدالة ، وينضوي الجميع تحت إطار واحد، وعلى إيقاع واحد، الدولة الأردنية لا غير.