دائرة المخابرات العامة الأردنية بين واجب الحماية وأوهام الاتهام

mainThumb
د.سلطان إبراهيم العطين

13-03-2025 09:50 AM

printIcon

 

د.سلطان إبراهيم العطين


في الآونة الأخيرة، وعلى حين غفلة، أصبحت كلمات مثل “المخابرات” و”الدائرة” و”الضابط” في الخطاب العام الأردني محمّلة بمعانٍ سلبية ومجردة من رمزيتها الوطنية؛ وكأنّها توصيفات للخيانة لا للانتماء. هذا التحوّل لم يكن نتيجة وقائع مثبتة أو تجارب موثقة، بل هو نتاج حملة تشويه تقودها فئة سمحت لأحقادها ومصالحها الضيقة بأن تعمِّق فجوة الشك بين المجتمع وإحدى أهم مؤسسات الدولة.

وما يثير الدهشة أنّ هؤلاء أنفسهم يتفاعلون بإيجابية مع الصورة البطولية لجهاز المخابرات في الأعمال الدرامية والسينمائية العربية، وتحديداً المصرية منها، بل وحتى الأمريكية، حيث يتم تصوير ضباط الاستخبارات باعتبارهم أبطالاً وطنيين يضحون بحياتهم من أجل أمن الوطن واستقراره. لم يُشكّك هؤلاء في مصداقية تلك الأعمال رغم كونها في كثير منها خيالية أو مبالغاً فيها، بينما شكّكوا، وبلا دليل، في وطنية جهاز المخابرات الأردنية الذي هو في حقيقته جزءٌ لا يتجزأ من منظومة الدولة وحامي استقرارها.

الجهل، حين يلتقي بالأحقاد، يصبح أداة خطيرة، وهو ما نراه في بعض الأصوات التي تنادي بشيطنة المخابرات الأردنية، وتسعى لعزلها عن السياق الوطني الذي قامت عليه. هذه الأصوات تحاول تصوير الدائرة وكأنها تعمل بمعزل عن مصلحة المواطن، بل وكأنها خصمٌ له، وهو تصوير زائف يراد به تقويض ثقة الأردنيين بمؤسساتهم، وزعزعة منظومة الأمن والاستقرار، عبر طمس الحقائق وترويج الأوهام.

إنّ جهاز المخابرات العامة الأردنية، كما نصّت على ذلك المادة (8) من قانونها لسنة 1964، هو الذراع السيادي للدولة في حماية أمنها واستقرارها، وضمان سلامة مؤسساتها، والتصدي لكافة التهديدات الداخلية والخارجية، وتفكيكها قبل أن تهدّد الوطن أو مواطنيه. فهي المؤسسة التي تضطلع بمهام استخبارية وقتالية، وتعمل على حماية الدستور، وضمان حسن تطبيق القانون، واستمرار عمل مؤسسات الدولة بكفاءة واستقرار.

المفارقة المؤسفة أن كثيراً ممن يروّجون لهذه الاتهامات لم يقدّموا دليلاً واحداً على دعاواهم، بل نجد كثيراً من المعتقلين السابقين يشهدون بعدالة الإجراءات وغياب الممارسات التي يُتَّهم بها الجهاز ظلماً. وهذا يؤكد أنّ من يقود هذا الهجوم هم فئتان: إما أشخاص استسلموا للخوف من الشائعات، أو أولئك الذين ينشرون هذه الشائعات بهدف زعزعة الدولة، وإضعاف أدواتها الرقابية، طمعاً في نوع من “الحرية” غير موجودة حتى في أكثر الديمقراطيات عراقةً، حيث تمارس تلك الدول رقابة صارمة على مجتمعاتها، تحت مبررات الحفاظ على الأمن القومي.

وما يثير مزيداً من التساؤلات هو هذا التناقض الفاضح؛ ففي الوقت الذي نبدي إعجابنا بدقة وكفاءة أجهزة الاستخبارات الأجنبية، ونقدّر صرامتها، نجد بعض الأصوات تطالب بتحييد جهاز المخابرات الأردني عن أداء دوره، وتجريد الدولة من هيبتها وأدوات ضبطها، وهو أمر لا يمكن تصوره في أي دولة ذات سيادة تحترم أمنها.

حين ننظر بإنصاف إلى هذه المؤسسة، لا نجد فيها سوى أبناء هذا الوطن، أشقاء وأبناء وأقارب لنا، اختاروا الانتماء إلى مؤسسة وُجدت لتحمي الجميع، لا لتخيفهم أو تعتدي عليهم. فهل يصح أن نقبل بإلصاق تهم الخيانة والوحشية بأناس هم في جوهرهم جزء منا، يدفعهم الواجب الوطني قبل أي اعتبار آخر؟

التساؤل المشروع: من أين يتسرّب هذا الخطاب التخويني؟ وكيف يُستهدف كل من يعبّر عن احترامه وتقديره لهذا الجهاز الوطني كما أفعل أنا، فيُتهم في وطنيته، ويُشكَّك في إخلاصه؟ إن احترامنا للمخابرات الأردنية ليس انحيازاً غير مبرر، بل هو اعتراف بدورها المحوري كأحد أعمدة الدولة الحديثة، وكسياج يحمي الحاضر ويصون المستقبل