المطابخ الإنتاجية .. موائد الرحمن للأسر العفيفة بتبرعات أهل الخير

mainThumb
المطابخ الإنتاجية.. موائد الرحمن للأسر العفيفة بتبرعات أهل الخير

06-03-2025 03:11 PM

printIcon

أخبار اليوم - تالا الفقيه - مع حلول شهر رمضان المبارك، تتحول المطابخ الإنتاجية إلى ورش عمل خيرية لا تهدأ، حيث تتضافر جهود المتطوعين وأهل الخير لإعداد وجبات إفطار متكاملة للعائلات العفيفة. هذه المبادرات، التي تعتمد على تبرعات المحسنين، باتت تشكل طوق نجاة لكثير من الأسر التي تواجه صعوبات معيشية، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية.

في العديد من المحافظات، تبدأ فرق العمل يومها منذ الصباح الباكر، حيث تُسْتَقْبَل التبرعات العينية والمالية، ثم تنطلق عمليات الطهي تحت إشراف متطوعين وطهاة محترفين. قبل أذان المغرب بساعة، يكون كل شيء جاهزًا، حيث توزّع الوجبات على الأسر المستحقة التي تنتظر هذه المساعدات بفارغ الصبر.

أبو خالد، رب أسرة من عمان، يؤكد أن هذه الوجبات هي السبيل الوحيد لتأمين إفطار متكامل لعائلته، مشيرًا إلى أن دخله المحدود لا يسمح له بشراء اللحوم والخضروات يوميًا. أما أم أحمد، أرملة وأم لخمسة أطفال في إربد، فتصف هذه المبادرات بأنها "رحمة من الله"، وتقول إنها لولا هذه المساعدات لما استطاعت أن تطعم أبناءها بشكل جيد خلال رمضان.

المبادرات الخيرية هذه لم تعد مقتصرة على المدن الكبرى، بل امتدت إلى القرى والمناطق النائية، حيث تتعاون مجموعات شبابية ومتطوعون لضمان وصول الطعام إلى أكبر عدد ممكن من المحتاجين. أحمد، شاب متطوع في مطبخ خيري بالكرك، يرى أن رمضان هو فرصة لمساعدة الآخرين، ويؤكد أن العمل في هذه المبادرات جعله يدرك حجم المعاناة التي يعيشها البعض. ليلى، طالبة جامعية تتطوع في تعبئة الوجبات بمطبخ مادبا، تقول إن أجمل لحظة بالنسبة لها هي عندما ترى الفرحة في عيون الأطفال الذين ينتظرون وجبات الإفطار كل مساء.

المطابخ الإنتاجية تقدم وجبات متوازنة تشمل الأرز واللحوم أو الدجاج، إلى جانب الشوربة والتمر والماء، لتكون وجبة الإفطار متكاملة ومشبعة للصائمين. أبو فارس، المشرف على أحد المطابخ الإنتاجية في الزرقاء، يشير إلى أن الدعم يأتي من أهل الخير الذين يرسلون تبرعاتهم، سواء كانت مواد غذائية أو مبالغ مالية، ويؤكد أن الهدف هو إيصال وجبة كريمة لكل محتاج.

ورغم النجاح الكبير لهذه المبادرات، إلا أنها تواجه تحديات عديدة، أبرزها نقص التمويل في بعض الأيام، مما يدفع القائمين على المشروع إلى تقليل عدد الوجبات أو البحث عن بدائل أقل تكلفة. كما أن ارتفاع الأسعار يزيد صعوبة توفير المواد الأساسية، ما يجعل الحاجة إلى دعم مستمر أمرًا ضروريًا. الحاج علي، أحد المتبرعين لمطبخ في المفرق، يقول إن التبرعات تتراجع أحيانًا، لكنه يؤكد أن الخير لا ينقطع، وأن كل مساهمة مهما كانت صغيرة، تحدث فرقًا كبيرًا في حياة الأسر المحتاجة.

ورغم هذه التحديات، تبقى المطابخ الإنتاجية رمزًا للتكافل الاجتماعي، حيث يشارك الجميع في العطاء، سواء بالتبرع أو الطهي أو التوزيع. أبو سمير، رجل أعمال يساهم سنويًا في دعم مطبخ خيري في السلط، يرى أن إطعام الجائع من أعظم الأعمال في رمضان، ويؤكد أن هذه المشاريع الخيرية تستحق الدعم كله، لأنها تصل مباشرة إلى من يحتاجها.

في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، تثبت المطابخ الإنتاجية أن الخير ما زال حاضرًا، وأن روح التكافل قادرة على سد احتياجات الكثيرين. وبينما تقترب لحظة أذان المغرب، هناك دائمًا يد تمتد لتقديم وجبة دافئة، ويد أخرى ترفع بالدعاء لمن كان السبب في وصولها. إنها سلسلة من العطاء، لا تنتهي بانتهاء رمضان، بل يجب أن تستمر ليبقى الخير حاضرًا في كل وقت.

خبير علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي قال أن المطابخ الإنتاجية المنزلية شهدت انتشارًا متزايدًا كفكرة طموحة ورائدة تسهم في مكافحة الفقر والبطالة من خلال توفير مصدر دخل للأسر وتعزيز دورها الاقتصادي في المجتمع.

وأكد الخزاعي أن هذه المشاريع لا تقتصر فقط على تحقيق الاستقلال المالي، بل تمنح أصحابها الفرصة لاستثمار أوقاتهم بشكل مثمر، بعيدًا عن انتظار الوظائف التقليدية.

وأضاف أن هذه المطابخ إتاحة للعاملين فيها اكتساب مهارات جديدة في فنون الطهي والإعداد والتجهيز، إلى جانب تطوير قدراتهم في التواصل والتسويق، مما عزز من نجاحهم واستمراريتهم في هذا المجال، مشيرا أنهم أصبحوا قدوة للآخرين، ملهمين المزيد من الأفراد خاصة النساء لخوض تجربة ريادة الأعمال المنزلية.

وفي ذات السياق أشار الخزاعي إلى أن العديد من السيدات تمكنَّ من تحقيق نجاح لافت في مشاريعهن الإنتاجية، واستطعن تسويق منتجاتهن بفعالية؛ مما ساهم في خلق سوق متنامٍ لهذه الأعمال.

وشدد الخزاعي على ضرورة دعم وتشجيع هذه المبادرات التي ستسهم بشكل مباشر في تمكين الأسر اقتصاديًا واندماجها في المجتمع بصورة أفضل.