حُكم إفطار الحامل في رمضان
الأصل في حُكم صيام الحامل والمُرضع في شهر رمضان هو الوجوب، إلّا أنّ هناك ما قد يطرأ على المرأة الحامل أو المُرضع ممّا يُبيح لها الفِطر في شهر رمضان؛ وذلك إن خافتا، أو غلب على ظنّهما أنّ الصيام سيُؤدّي إلى وقوع ضرر على نفسيهما، أو على جنينها إن كانت حاملاً، وعلى طفلها إن كانت مُرضِعة، ولا يجوز لهما الفِطر إذا قويت أجسادهما على الصيام، وكان الصيام لا يُؤدّي إلى إلحاق ضرر بالجنين، أو الطفل الرضيع.
ويُصبح حُكم الإفطار واجباً في حقّ الحامل أو المرضع إذا خافتا على نفسَيهما الهلاك، أو حدوث ضرر بالغٍ لهما، وكذلك إذا خافت الحامل على جنينها، أو المُرضع على طفلها الرضيع، ويكون الصوم في حقّهما واجباً؛ قياساً على المريض الذي يجب عليه الفِطر؛ لأنّ الصيام يضرّ به؛ فعن أنس بن مالك- رضي الله عنه- عن النبيّ- صلّى الله عليه وسلّم قال: (إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ وضعَ عنِ المسافرِ شطرَ الصَّلاةِ، وعنِ المسافرِ والحاملِ والمرضعِ الصَّومَ، أوِ الصِّيام).
هل هناك شروط يلزم توفرها ليحل إفطار الحامل؟
ما يترتّب على إفطار الحامل في رمضان اتّفق الفقهاء على وجوب القضاء في حقّ المرأة الحامل إذا أفطرت خوفاً على نفسها، أو كان فطرها خوفاً على نفسها بالإضافة إلى خوفها على حياة جنينها، فتقضي ما فاتها من شهر رمضان، ولا فدية عليها في ذلك؛ قياساً على الذي أفطر لمَرض أصابه، فإنّه يقضي الأيّام التي أفطرها، ولا تجب عليه الفدية،[٧] كما اتّفقوا على وجوب القضاء على المرأة الحامل إذا كان سبب فطرها هو الخوف على جنينها فقط، وليس الخوف على نفسها، وتعدّدت آرائهم في حُكم الفدية في حقّها:
الحنفية والمالكية: ذهبوا إلى انتفاء وجوب الفدية على المرأة الحامل إذا كان سبب فطرها في شهر رمضان هو الخوف على ولدها فقط؛ وذلك لأنّ الجنين مُتَّصِل بجسد المرأة الحامل كاتِّصال أحد أعضائها بها؛ فالخوف على الجنين في حُكم الخوف على أحد أعضاء المرأة الحامل، وهو قولٌ عند الشافعية أيضاً.
الشافعية والحنابلة: ذهبوا إلى أنّ المرأة الحامل إذا أفطرت في شهر رمضان خوفاً على ولدها فقط، وجب عليها القضاء والفدية معاً؛ فتطعم عن كلّ يوم أفطرت فيه مسكيناً، ثمّ تقضي ما فاتَها.
صيام رمضان بين الرُّخصة والعزيمة
جعل الله -تعالى- الإسلام مَبنيّاً على أركان متينة، وقواعد عظيمة تُوثّق صِلة المسلم بربّه -تعالى-، ويُعَدّ رُكن الصيام أحد هذه الأركان، كما يُعَدّ من أهمّ الطاعات التي تُقرّب المسلم إلى الله -تعالى-، ويُشار إلى أنّ الله -تعالى- فرض على عباده المؤمنين صيام شهر رمضان من كلّ سنة، وأكّد -سبحانه وتعالى- على وجوب هذه الفريضة بذِكرها في كتابه العزيز، قال الله -عزّ وجلّ-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، وبهذا أبقى الله -جلّ جلاله- فرضيّة الصيام خالدةً في كتابه الكريم إلى قيام الساعة، وقد استأثر الله -سبحانه وتعالى- من بين أعمال الإنسان جميعها بأجر الصيام، وجعله خالصاً له وحده؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، قال: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له إلَّا الصَّوْمَ، فإنَّه لي وأنا أجْزِي به، ولَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِن رِيحِ المِسْكِ).
وقد فرض الله -تعالى- صيام شهر رمضان المبارك على كلّ مسلم بالغ عاقل مُستطيع، وأباح -سبحانه- للمُكلَّف الفِطر إذا كان له عُذر، أو طرأ عليه عارضٌ من العوارض المُبيحة للفِطر؛ فأسقط عن أهل الأعذار وجوب الصيام؛ تخفيفاً عليهم، ودَفعاً للمَشقّة عنهم، بل أوجبه عليهم في بعض الحالات المخصوصة التي يُخشى فيها وقوع ضرر عليهم، وقد اصطلح العلماء على تسمية العوارض المُبيحة للفطر ب(رُخص الفِطر)، أو (الأعذار المُبيحة للفِطر)، وتختلف هذه الأعذار من شخص إلى آخر بحسب الأحوال التي يتعرّض لها؛ فمنها ما يختصّ بالمرأة، كالحمل، والرضاع، ومنها ما هو عامّ للناس جميعهم، كالمرض، وكبر السنّ، والسفر المُباح.