أخبار اليوم - تالا الفقيه - عمان في رمضان ليست كأي وقت آخر من العام. شوارعها تتبدل، إيقاعها يتغير، وزحامها يصبح أشبه بمحنة يومية تتكرر مع دقات الساعة. منذ لحظة العصر وحتى موعد الإفطار، تتحول الشوارع إلى ساحة معركة غير معلنة، حيث السيارات تتكدس، والأبواق تتصاعد، والأعصاب تشتعل.
"ما بنلحق نطلع من الدوام إلا ومنتعلق بالسير ساعة أو ساعتين، وكل مرة بنحلف إنه هاي آخر مرة منطلع بهالوقت!"، بهذه الكلمات عبرت إيمان، موظفة في القطاع الخاص، عن معاناتها اليومية خلال الشهر الفضيل. تضيف وهي تشير إلى شارع الجاردنز المزدحم: "ما بعرف ليش كل سنة نفس القصة، وما في أي حلول، نفس الشوارع ونفس الأزمة ونفس وجع الرأس."
في وسط البلد، حيث تزداد الحركة التجارية مع اقتراب موعد الإفطار، تصبح الطرقات شبه مشلولة. الباعة المتجولون يحتلون الأرصفة، المتسوقون يتدفقون إلى الأسواق، وسائقو سيارات الأجرة والمركبات الخاصة يختنقون بين مزيج من العجقة والصخب. أبو أحمد، صاحب بسطة لبيع التمر والمكسرات، يلقي باللوم على الفوضى وقلة التنظيم: "السيارات بتوقف بأي مكان، وكل واحد بده يشتري بسرعة قبل الأذان، وما في حد ينظم السير، كله على بعضه حيص بيص."
أما محمد، سائق تكسي، فيرى أن الأزمة لا تتعلق فقط بازدياد أعداد السيارات، بل بطريقة القيادة التي تتسم بالعصبية والانفعال خلال رمضان. "الناس مستعجلة، والجوع والعطش بخلي الواحد عصبي، والله يا خوي مرات بحس حالي بمباراة ملاكمة مش بسوق شوارع!"، يقول محمد وهو يشير إلى سيارة تتجاوز الإشارة الحمراء بسرعة جنونية.
شارع الجامعة وصويلح هما مشهد آخر للمعاناة اليومية. عند ساعات الذروة، وخاصة ما بين الرابعة والسادسة مساءً، يتحول الطريق من تحت جسر الجامعة وحتى دوار صويلح إلى طابور طويل من المركبات العالقة. فادي، طالب جامعي يسكن في صويلح، يتحدث عن مشواره اليومي قائلاً: "بخلص محاضرتي على الساعة أربعة، بطلع من الجامعة بفكر إنه الحق أفطر بالبيت، بكون رمضان خلص وأنا لسا عالدوار!"
شارع المدينة الطبية، الذي يُعتبر شرياناً حيوياً يربط مناطق غرب عمان ببعضها، يعاني المأساة نفسها. مصطفى، الذي يعمل في مستشفى المدينة الطبية، يروي تجربته اليومية قائلاً: "الدوام خلال رمضان أصلاً متعب، ومع أزمة السير هاي الواحد بوصل على البيت ما عنده طاقة يحكي مع حدا."
الأزمة لم تعد محصورة فقط في الشوارع الرئيسية، بل امتدت حتى الشوارع الفرعية التي كان البعض يعتقد أنها ملاذهم للهروب من زحمة الطرق الكبرى. هذه الشوارع باتت تغص بالمركبات التي تحاول التملص من الاختناقات، لكنها تجد نفسها محشورة في أزمات مماثلة. خالد، الذي يسكن في أحد أحياء المدينة الرياضية، يقول: "صرنا نهرب من شارع رئيسي لفرعي، بس المشكلة إنه الكل عنده الفكرة نفسها، فصارت الشوارع الفرعية كمان مليانة وما إلها مخرج!"
سائقو التكاسي يواجهون أزمة مزدوجة، فبالإضافة إلى معاناتهم مع السير، أصبحوا يشتكون من ارتفاع مصروف الوقود؛ بسبب ساعات الانتظار الطويلة في الازدحام، مما قلل من دخلهم اليومي. أبو سامي، سائق تكسي مخضرم، يعبر عن إحباطه قائلاً: "كنا نلحق نلف ثلاث أربع مشاوير قبل الإفطار، هسا بالكاد نخلص مشواراً واحداً، والبنزين عم يروح عالفاضي!" بينما يضيف زميله أبو حسن: "الراكب صار يعصب علينا وكأنه إحنا السبب، لا هو بوصل بسرعة، ولا إحنا مستفيدين، كله خسران بهالأزمة!"
أمانة عمان الكبرى تحاول، كما كل عام، تطبيق خطط لتخفيف الأزمة، لكنها تبدو غير كافية أمام الواقع المتفاقم. رجل المرور أبو خالد، الذي يقف وسط دوار الداخلية ينظم السير، يتنهد قائلاً: "كل سنة بنحكي رح نحل الأزمة، بس عدد السيارات أكبر من قدرة الشوارع، وإذا الناس ما التزمت، ما في حل سحري."
مع اقتراب أذان المغرب، يصبح المشهد أكثر توتراً. المركبات تندفع بسرعة غير محسوبة، الأصوات تتعالى، وبعض السائقين لا يترددون في المخاطرة بقطع الإشارات الحمراء. أحمد، شاب عشريني يقود سيارته نحو منزله، يتحدث عن هذه اللحظات قائلاً: "هاظ اسمه سباق الإفطار! كل واحد بده يوصل بأي طريقة، ولو بده يطير فوق السيارات!"
أزمات السير في رمضان ليست مجرد مشكلة مرورية، بل صورة مصغرة لحالة المدينة في هذا الشهر. مزيج من التسرع، والفوضى، والانفعال، وعدم التخطيط الكافي يجعل من كل يوم مشواراً محفوفاً بالمشقة. وبينما يتكرر المشهد عاماً بعد عام، يبقى السؤال: هل من حلول حقيقية، أم أن عمان ستظل "تكربج" كل رمضان؟