المحرر ردايدة: احتواء أهل غزة رغم الجراح فاق توقعاته

mainThumb
المحرر ردايدة: احتواء أهل غزة رغم الجراح فاق توقعاته

24-02-2025 03:44 PM

printIcon

أخبار اليوم - خرجنا من سجون الاحتلال حفاة، شبه عراة، لا نمتلك سوى "بدلة السجن" سيئة المنظر التي تعكس وحشية الاحتلال وإجرامه، مُبعدين إلى أرض غزة الجريحة، التي لها الفضل الأول والأخير في تحررنا، لنجد كرمًا واحتفاءً فاق توقعاتنا، يقول الأسير المحرر المُبْعَد من الضفة الغربية، إسماعيل ردايدة.

فبرغم الأمل الذي لم يتخلَّ عنه ردايدة يومًا بأن يكسر قيد السجن ويعتنق الحرية، إلا أن السيناريو قبل وبعد هذا التحرر لم يخطر بباله يومًا. فالتضحيات الجسام التي قدمها أهل غزة كثمن لهذه الحرية، ومن ثم إبعاده إليها، لم تمنعهم من الاحتفاء به وبزملائه المبعدين رغم مآسيهم وجراحهم، مما أدخل الفرح إلى قلوبهم وجعلهم يشعرون بأنهم بين أهلهم وذويهم.

يقول ردايدة (المحكوم بالسجن مدى الحياة، والذي قضى منه ثلاثًا وعشرين عامًا): "لا أستطيع أن أصف كرم أهل غزة ومعاملتهم الرائعة، فكل قواميس اللغة لن تعبر عن حبي لغزة وأهلها وشعبها الصامد. فقد غمرونا بكرمهم، ففي كل يوم نحن ضيوف في بيت من بيوت أهلها الذين آوونا، وقاسمونا ثيابهم، وأدخلونا قلوبهم وبيوتهم."

كان الوصول إلى غزة نهاية رحلة اعتقال مريرة امتدت لأكثر من عقدين من الزمن. "السجن يظل شيئًا سيئ الذكر، زنزانة حقيرة لا تصلح للعيش الآدمي، قضينا فيها سنوات طوال."

وكانت إرادة الأسرى الفلسطينيين القوية سببًا في تذليل السجن، وصنع نوع من الاستقرار فيه، ليحافظ الأسير على توازنه العقلي، ويحاول تطوير نفسه متطلعًا إلى اليوم الذي تُكسر فيه القيود، فيتمكن مما تعلمه داخل أسواره من تحقيق ذاته خارجه، يضيف ردايدة.

ويمضي بالقول لصحيفة "فلسطين": "الحياة في السجن نوع من الهم والمأساة الدائمة، وهي عبارة عن أيام مكررة، يحاول الأسرى فيها أن يصنعوا بسمة هنا أو فرحة هناك، لينتزعوا لحظات من الفرح وسط العذابات المستمرة."

فالسجن عبارة عن مأساة ومواجهة دائمة مع المحتل، نقاسي فيها بُعد الأهل وحتى وفاة أقرب المقربين دون أن نتمكن من وداعهم، فقد فقدتُ والديّ. كما أنه مواجهة دائمة لتحصيل حقوقك من سجانيك، ما جعلنا نخوض عدة إضرابات عن الطعام.

وكان ردايدة يتمنى أن يتم الإفراج عنه إلى الضفة الغربية ليقف على قبري والديه ويخبرهما بأنه قد عاد أخيرًا، لكن القدر حمل له الحرية في بلده الثاني غزة، ليعتنق الحرية بعد أن فقد زهرة شبابه داخل سجنٍ نهش المرض فيه أجساد الأسرى، حتى استشهد بعضهم داخله بسبب الإهمال الطبي.

وفي غزة، يتواصل ردايدة مع أشقائه السبعة وشقيقتيه، يتعرف إلى أولادهم وأحفادهم، ويحاورهم صوتًا وصورة، إذ لم يكن الاحتلال يتيح لعائلته زيارته بصورة منتظمة. "دفء الحديث مع الأهل عوضني عن ليالي السجن الباردة، التي لم أكن أستطيع فيها أن أكلمهم متى شئت."

واليوم، يمضي ردايدة في التعرف إلى أهله وذويه في الضفة، الذين حملوا همّه خاصة بعد وفاة والديه، وفي الوقت ذاته، يجول في غزة، التي بفضل صبر أهلها وصمودهم، أصبح أخيرًا حرًا.