أخبار اليوم - الفرحة الغامرة التي شعر بها الأسير المحرر رامي العيلة ممن حوله من الأهل والمعارف - رغم ما أصابهم في غزة من نصب وتعب جراء "حرب الإبادة الإسرائيلية" التي استمرت لعام ونصف العام - خففت جزءًا من حرقة قلبه على ما أصاب مدينته غزة وحي الدرج الذي تركه وراءه منذ قرابة ستة عشر عامًا قضاها في زنازين الاحتلال.
فـ "العيلة" (47 عامًا) لم يفقد الأمل بالحرية يومًا، بل كان يخطط لليوم التالي للإفراج عنه من سجون الاحتلال برفقة أبنائه الثلاثة الذين تركهم، وكان أكبرهم محمد يبلغ من العمر خمس سنوات، وشيماء ثلاث سنوات، أما صالح فكان عمره ستة أشهر فقط.
في كل زيارة لهم إليه في السجون، كان يرسم معهم ملامح المستقبل الذي يريدون أن يعيشوه سويًا، يقول لصحيفة "فلسطين": "اشتريت وأنا في السجن أرضًا في بلدة المغراقة، وكان أبنائي يأتون لي بالمخططات الهندسية للمنزل الذي كانوا يشرفون على بنائه. كنا نتشاور سويًا في الشكل الذي نريد أن يكون عليه، ثم يأتونني بالصور لآخر المستجدات حتى أصبح البيت جاهزًا، ولم يبقَ سوى القليل على انتهاء حكمي البالغ سبعة عشر عامًا، وكنت أمني نفسي بأن نجتمع سويًا في بيت العمر كي نعوض ما فاتنا من سنين الفراق".
ولكن، فوجئ العيلة عندما خرج من السجن بأن آلة الإبادة الإسرائيلية قد أحالت حلم العمر إلى ركام، ليس هذا فحسب، بل إن أكوام الركام غطت مدينته غزة، وسلبت آلة القتل الإسرائيلية أسرة شقيقته، فحرمتها من زوجها وأولادها، "وجدت أن ابن عمي قد استشهد أيضًا، وغيرُه الكثير من الأقارب والمعارف لم أجدهم في استقبالي، فقد اصطفاهم الله".
الأسى الذي تسلل إلى قلب "العيلة" لما آل إليه الحال في غزة خفف منه أهلها، الذين رغم المعاناة والدمار والهدم، خلقوا له أجواء من الفرح واحتفوا بحريته، يقول: "أنا مدين لأهل غزة العظماء بالكثير".
منذ السابع من أكتوبر عام 2023، كان القلق يأكل قلب "العيلة" في سجنه على أسرته وأبناء شعبه، بعد أن انقطعت أخبارهم كليًا عنه، "عام ونصف ونحن لا نعرف شيئًا عن أهلنا في غزة، كل ما نعلمه أن هناك حربًا دائرة فيها، لكن لا ندري أيٌّ من الأحباب سرقت منا، ولم يدر في مخيلتنا حجم الدمار والقتل الذي شهدته غزة خلال هذه الفترة، والذي رأيناه بأعيننا عندما خرجنا من الأسر".
وكما كان أهل غزة يعانون في الخارج، كنا نحن الأسرى نعاني أيضًا من أسوأ فترة مرت علينا في تاريخ الحركة الأسيرة، فقد سحبت "مصلحة السجون" منا كل الإنجازات التي حققها الأسرى بنضالهم وأمعائهم الخاوية.
ويضيف العيلة: "لقد تم تغييبنا عن العالم الخارجي، حتى الأسرى الذين تم اعتقالهم من غزة خلال الحرب لم يضعوهم معنا في نفس الزنازين، فلم نعلم شيئًا مما يدور حولنا".
وقبيل الإفراج عنه باثني عشر يومًا، تم نقل الأسير المحرر العيلة إلى سجن النقب، "شعرت بأنني سأتحرر، كان شعورًا من الفرح لا يوصف، لكنه كان ممزوجًا بالقلق من ألا يتم الأمر، إلى أن أبلغنا الصليب الأحمر يوم الإفراج بأنني سأغادر السجن".
ويمضي بالقول: "عندما وصلنا إلى أرض غزة والتقيت بأهلي، غمرني شعور من السعادة لا يمكن وصفه في أي قاموس لغوي، وهو الشعور الذي أتمناه لكل من تركناه خلفنا في سجون الاحتلال".