كتب: وسام السعايدة
في السنوات الأخيرة، شهد العالم تحولًا جذريًا في مجال الصحافة والإعلام، حيث أدى انتشار منصات الإعلام الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي إلى تغيير طبيعة العمل الصحفي والمهنية التي كانت تميزه.
لقد فقدت الصحافة التقليدية جزءًا كبيرًا من قيمها الأساسية، وعلى رأسها الدقة والموضوعية والتحقق من المعلومات، لصالح السرعة والانتشار الواسع الذي توفره المنصات الرقمية بكافة أشكالها حاليًا.
في الماضي، كانت المهنية الصحفية تعتمد على معايير صارمة، حيث كان الصحفيون يبذلون جهودًا كبيرة للتحقق من المعلومات قبل نشرها، ويحرصون على تقديم أخبار متوازنة وخالية من التحيز. كانت الأخبار تُعالج بعمق، وتُقدَّم للجمهور بعد مراجعة دقيقة من قبل محررين ذوي خبرة. ولكن مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح أي شخص قادرًا على نشر المعلومات دون أي رقابة أو تحقق، مما أدى إلى انتشار الأخبار الكاذبة والمضللة على نطاق واسع.
باتت السرعة في النشر وتحقيق ما يسمى “السبق الصحفي”، حتى وإن كانت المعلومات غير دقيقة، هي المعيار الرئيسي، حيث يتنافس الجميع لجذب الانتباه وزيادة عدد المشاهدات دون الاهتمام بجودة المحتوى أو مصداقيته، إلا من رحم ربي.
فعلى سبيل المثال، اعتذرت وكالة إخبارية بحجم “رويترز”، أمس، عن نشر خبر “مستعجل ومضلل” بشأن تصريحات الملك عبد الله الثاني بن الحسين خلال زيارته لواشنطن.
وقالت الوكالة في ملحوظة للمشتركين إنها تسحب “خبرًا مستعجلًا جدًا” نشرته كتصريح لجلالة الملك، تسبب في هجوم على موقف الأردن من الأوضاع في غزة نتيجة عدم الدقة والمهنية في نقل تصريحات جلالة الملك.
رغم هذا التطور السريع في عالم الصحافة، إلا أن الجمهور أصبح يتلقى المعلومات من مصادر غير موثوقة، وغالبًا ما تكون مليئة بالأخطاء أو الأجندات الشخصية.
كما أدى الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي إلى تقليص دور الصحفيين المحترفين، حيث أصبحت المنصات الرقمية تفضِّل المحتوى السريع والجذاب على حساب التحقيقات الصحفية العميقة والتحليلات المدروسة، وقد أثَّر ذلك سلبًا على جودة الأخبار التي يتلقاها الجمهور، حيث أصبحت الأخبار السطحية والمثيرة تحظى باهتمام أكبر من الأخبار الهامة والحيوية.
لا شك في أن الحديث يطول في هذا المجال، لكن لا بد من التأكيد على أهمية المهنية الصحفية في عصرنا الحالي، وضرورة إعادة الاعتبار للدقة والموضوعية والتحقق من المعلومات. كما يجب دعم الصحفيين المحترفين الذين يبذلون جهودًا حقيقية لتقديم أخبار موثوقة.
فالصحافة ليست مجرد نقل للأحداث، بل هي مسؤولية أخلاقية تجاه المجتمع، ولا يمكن التضحية بها في سبيل السرعة أو الشهرة.