أخبار اليوم - بعد حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة التي استمرت 15 شهرًا، وجد آلاف الحرفيين وأصحاب المهن أنفسهم أمام واقع صعب، حيث تحولت ورشهم إلى أنقاض، وتوقفت أعمالهم تمامًا بسبب تدمير الاحتلال الإسرائيلي لكل مناحي الحياة المعيشية والاقتصادية في القطاع.
وفي ظل استمرار الحصار وعدم التزام الاحتلال بتنفيذ بنود الاتفاق الإنساني، أصبح أصحاب الحرف والمهن في غزة عالقين بين الأمل واليأس، غير قادرين على إعادة بناء أعمالهم أو توفير لقمة العيش لعائلاتهم. وبينما ينتظرون انفراجة قد تأتي أو لا تأتي، تظل أرزاقهم معلقة بقرارات سياسية تفوق إرادتهم، في واقع يزداد قسوة يومًا بعد يوم.
بعد سنوات من العمل في النجارة، يقف محمد هاني (55 عامًا) أمام ورشته المدمرة في حي الزيتون شرق مدينة غزة، عاجزًا عن العودة إلى مهنته. فتدمير الورشة بالكامل وتلكؤ الاحتلال في إزالة الأنقاض والسماح بإدخال المواد الخام، هما أبرز العقبات التي تعترض طريقه.
وقال هاني لصحيفة "فلسطين": "حتى لو أردنا إعادة تشغيل الورشة بأبسط الإمكانيات، فلا يوجد خشب ولا معدات، وإن توفرت فهي بأسعار خيالية لا نستطيع تحملها"، معبرًا عن تخوفه من أن يطول موعد بدء الإعمار وتعويض المتضررين، وما قد يتركه ذلك من أثر سلبي على حياته وحياة أسرته.
الحال ذاته ينطبق على الشاب الثلاثيني خليل أبو شعبان، الذي دمر الاحتلال محله الخاص ببيع كماليات وإكسسوارات السيارات. فبعد أن كان محله يعج بالحركة ويستقطب أصحاب السيارات الباحثين عن التميز، لم يبق منه سوى حطام متناثر وأسلاك محروقة وصندوق معدني صغير انتشله من بين الركام، يحتوي على بعض الفواتير القديمة.
وأوضح أبو شعبان لـ"فلسطين" أنه لم يكن يتخيل يومًا أن ينتهي كل شيء بهذه الطريقة، وأن تُمحى سنوات من العمل الشاق بصاروخ واحد يدمر كل شيء.
وأشار إلى أنه حاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه من بضاعته، لكن المشكلة الأساسية التي تواجهه الآن هي عدم توفر المواد اللازمة لإعادة فتح محله، فضلًا عن منع الاحتلال للتجار من استيرادها، وارتفاع تكلفة استئجار محل جديد بديل عن محله المدمر.
أما أحمد بركات، صاحب محل للأدوات الصحية والسباكة، فليس لديه مشكلة في توفر البضائع، حيث كان منزله الذي دمره الاحتلال يحتوي على مخزن كبير يضم كمية كبيرة منها، لكنه لا يزال عاجزًا عن استعادتها، إذ لا تزال تحت أنقاض منزله.
وقال بركات لـ"فلسطين": "دمر الاحتلال منزلي في بداية العدوان على غزة، ورغم أن الدمار كان كليًا، إلا أنني أستطيع استخراج الكثير من قطع السباكة الحديدية والصغيرة التي لم تتلف بعد".
وأضاف: "أحتاج إلى أن تبدأ عملية إزالة الركام في المنطقة التي أعيش فيها، ولكن بسبب منع الاحتلال وتأخيره إدخال الجرافات والمعدات اللازمة لإزالة الأنقاض منذ بدء اتفاق وقف إطلاق النار، تأخرت إمكانية استخراج بعض البضاعة التي تمكنني من العودة إلى العمل".
لا يقتصر الأمر على ندرة المواد الخام في قطاع غزة، بل إن الأسعار ارتفعت بشكل غير مسبوق، ما جعل أصحاب الورش المتضررين عاجزين عن إعادة تشغيل أعمالهم. فقد ارتفعت أسعار بعض المواد الأساسية بنسبة تصل إلى 300%، مما جعل تكلفة الإنتاج تفوق قدرة أصحاب الحرف على الاستثمار مجددًا.
وسط هذا الواقع القاتم، تطالب مؤسسات حقوقية واقتصادية المجتمع الدولي بالضغط على الاحتلال الإسرائيلي للسماح بإدخال المواد الخام اللازمة لإعادة إعمار القطاع الصناعي والحرفي، وإيجاد حلول بديلة، مثل استيراد المواد عبر دول وسيطة، أو دعم المشاريع المحلية التي تعتمد على التدوير وإعادة استخدام المواد المتاحة.