سهم محمد العبادي
في كل مرة أفتح التلفاز على أحد البرامج التحليلية، أشعر وكأنني دخلت إلى محاضرة في الفلسفة الكونية، حيث يجلس مجموعة من المفكرين العظماء، يتحدثون بمصطلحات لو سمعها أرسطو لأغلق كتابه وذهب لبيع الفجل.
هؤلاء المحللون لا يناقشون السياسة، بل يمارسون نوعًا من "الشعوذة اللغوية" التي تجعل المواطن البسيط يشعر وكأنه لم يقرأ حرفًا واحدًا في حياته.
خذ عندك "السردية الأردنية"… يقولون إنها تحتاج إلى إعادة إنتاج، وكأنها مسلسل تركي طويل ونحتاج إلى جزء جديد لأن البطل لم يمت بعد!
ثم يأتون بمصطلح "الاستدارة السياسية"، فتتخيل أن الحكومة تقود سيارة إسعاف وتبحث عن مخرج طوارئ! المشكلة أننا ندور وندور، ثم نجد أنفسنا أمام نفس الحفرة التي وقعنا فيها أول مرة!
أما "الدولة العميقة"، فهذه تحتاج إلى غواصين محترفين ومعدات متطورة لكشف أسرارها، لأنها حسب ما يقولون، متغلغلة مثل جذور شجرة معمرة لا يراها أحد لكنها تحرك كل شيء! بالمناسبة، لماذا لا نحفر قليلاً؟ نريد أن نعرف، هل الدولة العميقة أعمق من خندق سطوح المراقيب؟ أم أن التحليل السياسي صار مجرد تصفيط كلمات متقاطعة؟
ثم تأتي "الهندسة الاجتماعية"، والتي توحي لك أننا نعيش في مشروع قيد الإنشاء، حيث العمال يضعون الخطط، والمواطن مجرد إسمنت يُصب هنا وهناك دون أن يعرف ما الذي يبنونه.
ناهيك عن "التموضع الإقليمي"، وكأننا قطعة أثاث يتم تحريكها حسب مزاج صاحب البيت، أو أننا في رقعة شطرنج يتم تحريكنا وفق "عبقرية المحلل الكبير"!
ولا تنس "التقاط اللحظة السياسية"، فهذه تجعلك تتخيل أن السياسة مثل صيد الشنير، عليك أن تمسك بها سريعًا قبل أن تطير إلى دولة أخرى!
ثم هناك "إعادة هيكلة المنظومة"، وهذا يعني ببساطة أن المسؤولين اكتشفوا أنهم ركبوا الدولاب بالمقلوب، وعليهم الآن أن يفككوه ويعيدوا تركيبه على أمل أن يعمل هذه المرة!
بصراحة، كل هذه المصطلحات لا تفسر شيئًا، بل تزيد الطين بلة.
نحن نريد لغة نفهمها، سياسة بدون ألغاز، وتحليلًا لا يحتاج إلى قاموس مصطلحات ما بعد الحداثة.
أما أن يظل هؤلاء المحللون يتحدثون وكأنهم يملكون أسرار الكون، فنحن لا نملك إلا أن نبتسم ونقول: "سؤال أخير… متى تصدر ترجمة بالأردني لهذا الحديث؟!"