أخبار اليوم - صباح الخامس من ديسمبر/ كانون الأول 2023، حيث بلغت حرب الإبادة الإسرائيلية أوجها، كان الصمت يلف أحياء مدينة غزة إلا من أصوات القصف والأحزمة النارية العنيفة التي شنها طيران جيش الاحتلال آنذاك.
ورغم عنف القصف الإسرائيلي، شاء القدر لعائلة جحا أن يتجمع أكثر من 100 فردٍ منها في منزل للعائلة بحي الشجاعية شرقي مدينة غزة.
"كنا نعتقد أن المنزل سيكون آمنًا.." قال أنس جحا أحد أفراد العائلة الناجين والشاهد على بشاعة الجريمة الإسرائيلية بحق عائلته.
وكان عدد كبير من أفراد العائلة اُجبروا على النزوح إلى المنزل الكائن في حي الشجاعية بعدما قصف جيش الاحتلال عدة منازل مجاورة في حي الزيتون، جنوب مدينة غزة.
وأضاف أنس: "صباح يوم المجزرة (5 ديسمبر 2023) لا يمكن نسيانه. كنت جالسًا برفقة زوجتي وأبنائي قبل أن أذهب لجلب بعض الاحتياجات لهم، ولتفقد والدتي النازحة في منزل قرب ميدان فلسطين، وسط مدينة غزة.
وأنس البالغ من العمر (27 عامًا) كان متعلق كثيرًا بزوجته وابنة عمه لينا جحا (24 عامًا) وابنه فايز (3 أعوام) وبنته كريمان (5 أعوام).
وتابع: كان القصف العنيف لا زال متواصل على مناطق متفرقة من مدينة غزة، وعندها قررت العودة إلى عائلتي بعدما تفقدت والدتي وجلبت لها بعض الطعام.
لكن الصدمة كانت كبيرة؛ حيث ألقت مقاتلة لجيش الاحتلال دون سابق إنذار قنبلة ثقيلة حولت المنزل المكون من 5 طوابق إلى كومة من الركام فوق رؤوس المدنيين المتواجدين فيه.
عند سماع دوي الانفجار هرع الجيران والأقارب إلى المكان المستهدف، وقد وجدوا مشهدًا لا يحتمل؛ جثث مشوهة تحت الأنقاض، وألعاب أطفال متناثرة بين الحطام، وصورة عائلية مغطاة بالدماء تذكر بضحايا لم يعودوا.
وللوهلة الأولى انهار أنس أمام أشلاء الشهداء وأعمدة الدخان وألسنة النيران التي تصاعدت من المنزل المستهدف في لحظة مأساوية فقد فيها زوجته ومعها ابنهما وبنتهما.
photo_2025-02-13_16-45-56.jpg
ولم تقتصر فظاعة الجريمة عند هذا الحد، بل إن الغارة الإسرائيلية تسببت بارتقاء 100 شهيد، ونجا منها 17 فقط بينهم مصابون.
"لم يكن هناك أي مبرر لهذا القصف" قال أنس بصوت مليء بالألم "نحن عائلة بسيطة ونعيش حياة عادية، ليس لنا دور في الصراع ولم نشكل خطرًا على الاحتلال. لقد أُخذ أفراد عائلتي بلا رحمة".
من بين ضحايا المجزرة 4 نساء يحملن في أرحامهن أجنة، إحداهن كان من المقرر أن تنجب يوم أن أغارت المقاتلة الحربية ودمرت المنزل المكتظ بالمدنيين.
أما المصيبة الكبرى بالنسبة له، كما يقول، أن زوجته وابنه وابنته من ضحايا المجزرة الإسرائيلية الذين بقوا تحت الأنقاض.
ليس ذلك فحسب، بل إن عدد المفقودين تحت الركام بلغ 50 من أفراد العائلة فيما استطاع أنس وبجهود فردية وبمساعدة الجيران جمع أشلاء قرابة 50 شهيدًا ودفنها في مقبرة جماعية.
يستذكر أنس آخر حديث مع زوجته قبل أن تغادر حياته بلا رجعة، حيث ألحت عليه بضرورة جلب بعض الاحتياجات والمسليات لأبنائه في محاولة منها لإلهائهم بها حتى تنسيهم مرارة أصوات القصف الذي لا يتوقف.
"جلبت لها ما تريد. كان الخوف واضح عليها من أن يصيبنا مكروه" والقول لأنس.
أما عن ابنته كريمان، فقد تعلقت به لدى خروجه من المنزل لكنه أصر على تركها بسبب الغارات الكثيفة والمتكررة.
وقال: لو علمت أن الغارة الإسرائيلية ستقتلهم لما تركت منهم أحدا. لكنها جاءت فجأة وغيبت عني أعز الناس".
وبحسب قوله، بلغ عدد الأطفال ضحايا القصف الإسرائيلي 40 طفلاً، فيما وصل عدد النساء إلى 35 شهيدة.
وتابع: "ما الذنب الذي ارتكبه هؤلاء لتزهق أرواحهم بلا رحمة؟ لن نغفر ولن نسامح ولن نتنازل عن حقنا في ملاحقة قادة الاحتلال وجنوده على جرائمهم بحقنا".
الجريمة الإسرائيلية بحق عائلة جحا ليست الأولى من نوعها، إذ تعددت مشاهد الشهداء والأشلاء وبالمئات أيضًا ارتقوا دفعة واحدة خلال حرب الإبادة التي بدأها جيش الاحتلال الإسرائيلي يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 واستمرت 471 يومًا، وخلفت وراءها ضحايا أبرياء في محافظات القطاع الساحلي جراء العدوان المتكرر على الأحياء السكنية والمدنية.