بين الدبلوماسية الحازمة والإشادة الدولية: قراءة في تصريحات ترامب وجلالة الملك عبدالله الثاني

mainThumb
بين الدبلوماسية الحازمة والإشادة الدولية : قراءة في تصريحات ترامب وجلالة الملك عبدالله الثاني

13-02-2025 11:47 AM

printIcon

د. ميرفت المهيرات
في عالم السياسة الدولية ( الذي لست خبير فيه لكنني أتذوقه ) ، لا تأتي الإشادات من فراغ، ولا تُطلق العبارات الدبلوماسية عبثًا. عندما وصف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الشعب الأردني بـ"العظيم"، لم يكن ذلك مجرد مجاملة عابرة، بل تعبير عن إدراك لدور الأردن المحوري في المنطقة. هذا التصريح، الصادر عن شخصية معروفة بصراحتها وعدم مجاملتها في العادة، يعكس مدى التقدير الأميركي للأردن، قيادةً وشعبًا، خاصة في ظل الأزمات التي تعصف بالشرق الأوسط.

في المقابل، أظهر الملك عبد الله الثاني جراءة دبلوماسية لافتة عندما واجه ترامب بالقول إن "موضوع غزة شأن عربي وسنأتي به إلى الولايات المتحدة". هذه العبارة لم تكن مجرد موقف سياسي، بل رسالة واضحة بأن الأردن، رغم كل التحديات، لن يسمح بإقصاء العرب من تقرير مصير القضية الفلسطينية، ولن يقبل بأن تُفرض حلول لا تتماشى مع حقوق الشعب الفلسطيني.

الملك لم يطرح القضية بصيغة التماس أو استجداء، بل بصيغة تقريرية تعكس ثقة نابعة من الموقف الأردني الثابت والمستند إلى شرعية تاريخية وشعبية. هذا الموقف يؤكد أن الأردن لا يقف متفرجًا في الملفات الإقليمية الكبرى، بل يبادر ويفرض رؤيته، حتى في مواجهة قوى دولية كبرى.

ضمن هذه الديناميكية السياسية، جاء قرار الأردن باستقبال 2000 طفل فلسطيني من غزة للعلاج والتأهيل كخطوة إنسانية تعكس التزامه الأخلاقي تجاه ضحايا الحرب. ولكن الأهم من ذلك، أن هذا القرار يحمل بُعدًا سياسيًا؛ فهو ليس مجرد عمل خيري، بل تأكيد على أن الأردن يتعامل مع تداعيات الحرب بطريقة تضع مصالح الشعب الفلسطيني فوق أي اعتبارات أخرى، دون أن يسمح بتحويله إلى طرف متلقٍّ للضغوط السياسية.

استقبال هؤلاء الأطفال هو رسالة للعالم بأن الأردن، رغم موارده المحدودة، لا يتخلى عن مسؤولياته الإنسانية، لكنه في الوقت نفسه يرفض أي محاولة لتغيير التوازن الديموغرافي أو فرض حلول على حساب مصالحه الوطنية. هذا التوازن بين الالتزام الإنساني والحفاظ على السيادة السياسية هو ما جعل الأردن يحظى باحترام دولي واسع، بما في ذلك من قادة مثل ترامب، رغم تباين السياسات بين البلدين في العديد من الملفات.

ربما يكون ترامب قد استخدم عبارة "العظيم" كتعبير عن تقدير لدور الأردن في الاستقرار الإقليمي، أو ربما كإشارة إلى شجاعة الملك في إدارة الملفات الحساسة. لكن الأهم أن الأردن لا يبحث عن الإطراء، بل يسعى لحماية مصالحه الوطنية وشعبه أولًا، وهو ما أكده الملك عندما تحدث عن أن أي خطوة يتخذها ستكون لمصلحة شعبه.

هذا الموقف ليس جديدًا في السياسة الأردنية، لكنه بات أكثر وضوحًا في ظل التطورات الراهنة. فمنذ عقود، يدير الأردن علاقاته الدولية بحكمة توازن بين الحاجة إلى الدعم الدولي والتمسك بالخطوط الحمراء الوطنية. والملك عبد الله الثاني، بخبرته العميقة في السياسة الدولية، يعرف متى يكون حازمًا، ومتى يستخدم الدبلوماسية، ومتى يفرض رؤيته حتى في حضرة قادة مثل ترامب.

في موازاة هذه الجهود السياسية، يعمل ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني على تعزيز مكانة الأردن اقتصاديًا، حيث يتابع باستمرار مصلحة أبناء وطنه من خلال لقاءات متواصلة لجذب الاستثمارات وفتح آفاق جديدة تضمن مستقبلًا أكثر استقرارًا وازدهارًا. جهوده تعكس نهجًا شبابيًا ديناميكيًا يسعى لتحقيق التنمية المستدامة، وهو ما يجعل دوره تكامليًا مع رؤية الملك في ترسيخ مكانة الأردن على الساحة الدولية، ليس فقط سياسيًا بل أيضًا اقتصاديًا.

في النهاية، ما حدث ليس مجرد تبادل تصريحات بين زعيمين، بل انعكاس لصراع أكبر بين المبادئ والمصالح في السياسة الدولية. الأردن، بقيادته وشعبه، أثبت أنه قادر على الجمع بين الاثنين، في وقت تتلاشى فيه المبادئ أمام المصالح لدى كثير من الدول. هذه القدرة على الثبات وسط العواصف هي ما يجعل الأردن حقًا "عظيمًا"، ليس فقط في عيون ترامب، بل في ميزان التاريخ والسياسة.