سهم محمد العبادي
حين يتحدث جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين، فإنه لا يعبث بالكلمات، ولا يترك مساحة للضبابية، بل يرسم ملامح موقف أردني عروبي ثابت لا يقبل التأويل، ولا يلين تحت الضغط. لم يكن لقاء الملك وولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني مع الإدارة الأميركية مجرد اجتماع سياسي، بل كان لوحة متكاملة من الدبلوماسية الأردنية الحكيمة، التي أدارت حوارًا صريحًا يعكس عمق الرؤية والقدرة على قراءة المشهد الإقليمي والدولي بذكاء واتزان.
الأردنيون كانوا يتابعون اللقاء بكل فخر، ليس لأنهم اعتادوا مواقف قائدهم فقط، بل لأنهم يدركون أن الأردن حين يتحدث، فإن العالم ينصت. فالدبلوماسية التي قادها الملك كانت ترجمة حقيقية لخبرة سياسية متراكمة، وحنكة جعلت من الأردن رقمًا صعبًا في المعادلة الدولية. فلا مساومة على الأرض، لا تهاون في الثوابت، ولا قبول بأي مشاريع تتجاوز الحقوق الفلسطينية، أو تمس الهوية الوطنية الأردنية. وكان الملك واضحًا كالشمس في نهاره، لا تهجير، لا تصفية، لا حلول على حساب أحد.
أما ولي العهد، عضيد سيدنا وعضيدنا وعضيد الأردن، فقد كان وجوده في اللقاء رسالة بحد ذاتها، تؤكد أن الأردن ليس دولة عابرة، بل دولة تمتد جذورها في التاريخ، وتمضي بثقة نحو المستقبل. حضوره إلى جانب سيدنا لم يكن مجرد ظهور بروتوكولي، بل كان إثباتًا أن القيادة الأردنية متماسكة، وأن الأجيال القادمة من هذه العائلة الهاشمية ستواصل حمل الأمانة بذات القوة والعزم. والأردنيون رأوا في ذلك تأكيدًا على استمرارية النهج، وعلى أن الدولة محصنة بقيادة حكيمة، ووعي شعبي لا يُخترق، وثوابت وطنية لا تهتز.
الموقف الأردني لم يكن منفصلًا عن الموقف العربي العام، لكنه كان الطليعة التي وقفت مبكرًا لقطع الطريق على أي مخططات تسعى لإعادة تشكيل خارطة المنطقة. فالحراك السياسي الذي يقوده الملك لا يتحرك بردود الفعل، بل هو نهج قائم على الاستباقية والوضوح، على تحريك المواقف بدل انتظارها، وعلى التأثير بدل التأثر. لقد استطاع الأردن، رغم كل الضغوط، أن يضع حدودًا واضحة لا يمكن تجاوزها، وأن يفرض نفسه كلاعب رئيسي لا يمكن تجاهله.
لكن، كما هو الحال دائمًا، فإن السياسة الخارجية القوية تحتاج إلى جبهة داخلية متينة، إلى إعادة قراءة المشهد الداخلي بعين المسؤولية والواقعية. فمواجهة التحديات تتطلب إصلاحات حقيقية، لا تجميلية، واستثمارًا في الشباب، لا وعودًا فارغة، وخططًا اقتصادية واجتماعية تمنح الأردنيين فرصًا حقيقية للحياة الكريمة، بدل إبقائهم أسرى للظروف الصعبة. الأردن دولة مؤسسات، دولة قانون، ودولة تعرف أن قوتها تبدأ من الداخل قبل أن تنعكس على الخارج.
اليوم، العرب أمام مفترق طرق، لا مكان فيه للحياد أو التردد. فإما أن يكونوا بمستوى اللحظة، وإما أن يتركوا الساحة لمن يريد إعادة رسم المنطقة على مقاس مصالحه. فالأردن قال كلمته، وأثبت أن الدبلوماسية ليست مجرد لغة لينة، بل يمكن أن تكون درعًا وسيفًا في آن واحد. ففي السياسة، كما في الحياة، هناك لحظات تصنع التاريخ، والأردن اليوم ليس مجرد مشاهد، بل هو صانع لهذا التاريخ، بكل فخر وثقة واقتدار، كما صنع المجد والكرامة "وياما تكسر على صوان الأردن مؤامرات" فنحن الثابتون على العهد على مر التاريخ كنا وما زلنا وسنبقى لوطننا وللأمة بقياداتنا الهاشمية المظفرة وسيبقى علمنا عالياً خافقا أهيبا.