وعد ترامب… بلفور الجديد!

mainThumb
سهم محمد العبادي

05-02-2025 10:42 PM

printIcon


سهم محمد العبادي

فلسطين ليست مشروعًا سياسيًا مؤقتًا، ولا قطعة أرض تنتظر توقيعًا للبيع، بل هي روح الأمة، وهي الحكاية التي لم تتوقف منذ آلاف السنين، رغم كل محاولات الطمس والتهجير والتزييف.
واليوم، يعود ترامب ليكتب فصلاً جديدًا من التآمر على الأرض المباركة، واضعًا نفسه في موقع بلفور آخر، متوهّمًا أنه قادر على هندسة التغيير بالقوة والمال.

ما لا يدركه ترامب أن الفلسطينيين لا يهاجرون إلا إلى أقصاهم، لا يغادرون إلا إلى أرضهم، لا يحملون جوازات الخروج، بل مفاتيح العودة، وأن كل مؤامرات التاريخ لم تغير خارطة أرواحهم المتجذرة في وطنهم. فكيف يعتقد أن غزة يمكن أن تُفرَّغ من أبنائها، وأن اللاجئ سيصبح لاجئًا مرة أخرى؟ كيف يتخيل أن القدس، التي سالت على بواباتها دماء الشهداء، يمكن أن تُنتزع من قلوب أصحابها كما تُنزع صفحة من كتاب؟

يريد ترامب أن يجعل من غزة ورقة مساومة، يخطط لترحيل أهلها إلى الأردن ومصر، لكنه يجهل أن الأردن ليس محطة لاستقبال التهجير، بل هو امتداد للنضال الفلسطيني، وأن مصر لم تكن يومًا إلا حامية للحق الفلسطيني، تقف بثقلها التاريخي لتؤكد أن القضية ليست ملفًا سياسيًا، بل حقاً مقدساً لا يسقط بالتقادم.

وهنا يبرز الدور الأردني، موقفٌ صلبٌ لم يلن يومًا، وقيادة هاشمية لم تساوم، بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، الذي كان وما زال الصوت العربي الأوضح في مواجهة المخططات التي تستهدف فلسطين. منذ توليه العرش، كان الأردن خط الدفاع الأول عن القدس، عن المقدسات الإسلامية والمسيحية، عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، ولم يتغير موقفه رغم الضغوط، ولم تهتز بوصلته أمام المغريات أو التهديدات.

لم يكن موقف الأردن يومًا موقفًا سياسيًا عابرًا، بل كان التزامًا ثابتًا، راسخًا في تاريخه، وفي ضمير شعبه، فحينما يتحدث الملك، فهو لا يتحدث بصفته قائداً لدولة، بل بصفته وصيًا على القدس، وحاملاً لإرث الثورة العربية الكبرى التي قامت على رفض الظلم والاستعمار. لهذا، فإن حديثه في المحافل الدولية ليس مجرد كلمات، بل رسائل واضحة بأن الأردن لن يكون طرفًا في أي مخطط يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، وأنه سيبقى داعمًا لصمود الفلسطينيين في أرضهم.

إذن القدس ليست مفاوضات، ولا حلًا مؤقتًا، بل هي جوهر الصراع، وهي التي قاومت الغزاة منذ أقدم العصور، وبقيت لأهلها رغم القهر والمجازر. كل من مرّوا بها حاولوا أن يغيّروها، لكنهم غادروا، وبقيت القدس عربية، شامخة، تروي قصص صمودها في كل حجر من حجارتها.

فالفلسطيني لا ينسى، لا يُهَجَّر، لا ينكسر. أرضه ليست حقيبة يحملها ويرحل، بل هي سجادة صلاته، وهواء حياته، ودمه الذي يسري في حجارتها. حاولوا اقتلاعه من دير ياسين، ومن اللد، ومن حيفا، ومن يافا، لكنه عاد، حملته الريح إلى وطنه، كما يعود الطير إلى عشه. واليوم، مهما كانت المؤامرات كبيرة، ومهما كان الدعم للاحتلال بلا حدود، فإن هذه الأرض تعرف أهلها، وتعرف من يستحق أن يبقى عليها واسألوا جنين والخليل وحيفا.

ترامب سيمضي كما مضى غيره، والاحتلال إلى زوال مهما طال عمره، وفلسطين ستبقى كما كانت، قضية الأمة، وعنوان العزة، والحق الذي لا يموت. وستظل فلسطين كما كانت وستبقى، دولة عربية، وعاصمتها القدس، كل القدس. وسيبقى الأردن بقيادته الهاشمية السند الأقوى لفلسطين، حاملًا راية الدفاع عن الحقوق، ومؤكدًا أن الحق العربي لن يُمحى مهما تعاظمت المؤامرات.