أخبار اليوم - أبدت حركة مجتمع السلم، أكبر الأحزاب الإسلامية في الجزائر، تحفظاتها على تصريحات الرئيس عبد المجيد تبون التي عبّر فيها عن استعداد بلاده للاعتراف بإسرائيل في اليوم الأول الذي تقام فيه دولة فلسطينية.
وعبّرت عدة آراء عن استغرابها لهذه التصريحات، فيما اعتبرها آخرون موقفا عاديا للجزائر التي تتبنى مبادرة السلام العربية منذ إطلاقها سنة 2002.
وجاء حديث الرئيس الجزائري في سياق حوار مطول من 3 صفحات، قال في أحد مقاطعه إن “الجزائر ستكون على استعداد لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل في اليوم ذاته الذي ستكون فيه دولة فلسطينية كاملة”. واعتبر أنه يسير على نهج أسلافه الرئيسان الشاذلي بن جديد وعبد العزيز بوتفليقة في هذا الموضوع. وتلا حديث تبون، موقفه من الإدارة الأمريكية الجديدة، ما جعل الكثير من القراءات تشير إلى أن الرئيس أراد توجيه رسالة ضمنية لنظيره الأمريكي دونالد ترمب.
وفي بيان لها وقّعه رئيسها عبد العالي حساني، قالت حركة مجتمع السلم، إنها تابعت التصريح الصادر في جريدة لوبينيون، مشيرة إلى أن الجزائر لها مواقف ثابتة تجاه القضية الفلسطينية، قائمة على رفض مشاريع التسوية والتطبيع مع الكيان الصهيوني المعتدي. وأوضح بيان الحركة أن رئيس الجمهورية سبق له أن وصف مسار التطبيع بالهرولة المرفوضة نحو كيان لا يعترف بحق الشعب الفلسطيني، ويسعى إلى تصفية قضيته وتهويد مقدسات الأمة، مؤكدة أن الجزائر كانت ولا تزال داعمة للحق الفلسطيني، ومدافعة عن القضية باعتبارها قضية تحرر وعدالة.
وأضافت حركة مجتمع السلم أن الضغوط الدولية المتزايدة، خاصة من طرف الولايات المتحدة الأمريكية، تهدف إلى جر الدول الصامدة، ومنها الجزائر، إلى مستنقع التطبيع، مشددة على أن الموقف الجزائري يجب أن يظل ثابتًا في دعمه للحقوق الفلسطينية المشروعة، ورفضه لكل أشكال التطبيع.
وأكدت الحركة أن الشعب الجزائري يرفض بشكل قاطع أي مسار يمكن أن يؤدي إلى القبول بالتطبيع مع الاحتلال، لافتة إلى أن الممارسات الصهيونية من إبادة جماعية، وتهجير قسري، وحصار ظالم، تتطلب مواقف صلبة تعزز صمود الفلسطينيين، بدل الحديث عن أي شكل من أشكال التسوية.
كما شددت على أن الجزائر ستبقى حصنا منيعا أمام أي محاولات لاختراق مواقفها الثابتة تجاه القضية الفلسطينية، مضيفة أن الدول التي قبلت بالتطبيع ساهمت في تمكين الاحتلال من مواصلة انتهاكاته وجرائمه، في وقت ترفض فيه الشعوب الاستسلام والخضوع لهذه الضغوط.
وختمت الحركة بيانها بالتأكيد على أن الجزائر، التي قدمت تضحيات جساما نصرة لفلسطين، وظلت لعقود تدافع عن قضايا التحرر، يجب أن تبقى وفية لهذا النهج، باعتباره جزءا من هويتها ومصدرا لاحترامها بين الأمم.
وبدا موقف حركة مجتمع السلم، محرجا في إبداء معارضة واضحة لكلام الرئيس على الرغم من أدبيات الحزب الرافضة للاعتراف بإسرائيل، مكتفيا بإبداء إيحاءات تظهر مخاوف من أن يكون هناك تحول في الموقف الرسمي للجزائر، بدفع من التحول الحاصل في الإدارة الأمريكية.
وفي تلميح صريح لحديث الرئيس تبون، علّق عبد الرزاق مقري الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم والذي ينتقد منذ فترة قصور الموقف الجزائري عن مواكبة طوفان الأقصى، قائلا: “حينما نسمع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب ومستشاريه يتحدثون عن توسيع دولة الكيان ثم إعطاء الفلسطينيين دولة صغيرة بعد تهجير جزء كبير من الفلسطينيين، يصبح حديث الحكام العرب عن التطبيع مع الكيان في حالة قيام دولة فلسطينية أمرا مخيفا ومستقبلا محيرا”.
وأوضح مقري في تدوينة على فيسبوك، أن الجزائريين سيظلون أوفياء للثورة النوفمبرية المباركة، مشيرا إلى أن أبطال الجزائر من المجاهدين والشهداء الذين رفضوا عرض ديغول بقبول استقلال الجزائريين على جزء فقط من أرضهم، وثباتهم على الجهاد والاستشهاد حتى تحرير كامل الأراضي الجزائرية، هم القدوة في القضية الفلسطينية وليس غيرهم كائنا من كان. وأضاف أن الجزائريين، أينما كانوا، لن يقبلوا بأي شكل من أشكال التطبيع مع الكيان الغاصب المحتل الذي لا يملك أي حق في فلسطين. واختتم مقري تصريحه بالإشارة إلى شعار طلبة الجامعات الأمريكية: “Palestine will be free from the river to the sea.”
وتبدي عدة أحزاب في الجزائر تحفظاتها على مبادرة السلام العربية التي تتخذها الجزائر مرجعا في التعامل مع القضية الفلسطينية، كونها تكرس التنازل عن جزء من فلسطين التاريخية. وإلى جانب الأحزاب الإسلامية، كان حزب العمال المحسوب على أقصى اليسار قد دعا في أكثر من مناسبة إلى التخلي عن المبادرة العربية للسلام مع إسرائيل، واصفا إياها بـ”مخطط الاستسلام الجماعي للجامعة العربية”.
وذكر الحزب في موقف له تزامن مع زيارة محمود عباس للجزائر سنة 2022، بأن هذه المبادرة، تتعارض كليا مع تطلعات وكفاح الشعب الفلسطيني ويعد احتقارا لتضحياته، مشيرا إلى أن الموقف الجزائري بالنسبة لا يمكن أن يكون دون تطلعات الشعب الفلسطيني وبالتالي لا يمكنه أن يتماشى أو يتكيف مع موقف الجامعة العربية التي طبعت أغلبية أعضائها العلاقات مع الكيان الصهيوني.
وعكس هذه الآراء، هناك من رأى تصريحات تبون ذكية، من ناحية أنها تقدم تصورا واضحا للحل للإدارة الأمريكية، مع الاعتقاد الجزائري العميق بأن إسرائيل لن تقبل من الأساس بالحل القائم على أراضي 67، بما يجنب الجزائر مستقبلا أي ضغوط للتطبيع وفق النظرة المفروضة على بقية الدول العربية التي انخرطت في صفقة أبراهام. وسبق للرئيس الجزائري، لما استقبل وزير الخارجية الأمريكي السابق أنطوني بلينكن، أن أدلى بنفس التصريحات تقريبا، عندما ذكر أن بلاده ليس لها مشكل مع إسرائيل في حال أقيمت الدولة الفلسطينية.