أول تعبئة للغاز في غزَّة .. فرحةٌ تطوي أزمةً مريرة أرهقتْ حياة الأهالي

mainThumb
أول تعبئة للغاز في غزَّة.. فرحةٌ تطوي أزمةً مريرة أرهقتْ حياة الأهالي

03-02-2025 12:11 PM

printIcon

أخبار اليوم - دخلت الفرحة بيوت الأهالي في مدينة غزة وشمال القطاع مع بدء تعبئة أسطوانات الغاز لأول مرة منذ خمسة عشر شهرًا، مما أنهى معاناة طويلة عاشتها العائلات أثناء طهي الطعام على الحطب والأخشاب طوال فترة الحرب. ارتدت البيوت الناجية من القصف حلّة سوداء بفعل الدخان المتصاعد من النيران، فضلًا عن الاختناق الذي عمّ أرجاء المنازل.

ومنذ عام، يُطبَّق نظام إلكتروني جنوب القطاع لتوزيع الغاز، وبدأ الأهالي في مدينة غزة وشمال القطاع بالتسجيل عبر رابط تنشره وزارة الاقتصاد على شبكة الإنترنت، حيث يحدد المسجل اسم منطقته ويظهر له قائمة بأسماء الموزعين المعتمدين لدى الوزارة. وبعد التسجيل، يتلقى المواطن رسالة هاتفية تحدد موعد تسليم الأسطوانة واسم الموزع، ليتم تعبئة 8 كغم من الغاز.

فرحة بعد معاناة طويلة

بمجرد وصول الرسالة إلى هاتف إبراهيم موسى، ارتسمت الفرحة على ملامحه، وتجمع أفراد العائلة حوله يشاركونه هذه اللحظة. على الفور، أخرج أسطوانته التي لم يلمسها منذ بداية الحرب بسبب نفاد الغاز، ومسح الغبار عنها تمهيدًا لتسليمها للموزع.

في شقته التي تعرضت لقصف إسرائيلي ولم يتبقَّ منها سوى ثلاث غرف، استضاف عائلة نازحة، وخصص غرفة واحدة للطهي. امتلأت جدرانها باللون الأسود بفعل الدخان، وكان يضع بجانب الموقد أكياسًا تضم قطعًا بلاستيكية وأخشابًا لإشعال النار.

ومع شح الأخشاب في مدينة غزة بسبب الاستهلاك الكبير، لجأ موسى إلى طريقة ابتكرتها الحاجة، حيث استخدم مروحة صغيرة تعمل على البطارية لتسريع اشتعال النار عند إلقاء قطع بلاستيكية داخل الموقد. كانت هذه الطريقة تُحاكي استخدام غاز الطهي، لكنها تسببت في انبعاث دخان كثيف أدى إلى حالات اختناق متكررة.

يقول موسى ": "فرحتنا كبيرة اليوم، لأنها المرة الأولى التي نتمكن فيها من تعبئة الغاز وإنهاء هذه الأزمة التي سلبت وقتنا في محاولة طهي الطعام، وتسببت في اختناقنا وتخريب منازلنا التي اسودّت جدرانها".

وأضاف وهو يقف في غرفته التي تحيط بها آثار الدخان من كل جانب: "شققنا السكنية لم تكن مصممة لإشعال النار، فلم تتوفر تهوية كافية، ما أدى إلى انتشار الدخان في كل أرجاء المنزل رغم محاولتنا إغلاق الأبواب. وبما أن شقتي تعرضت لقصف بقذيفة إسرائيلية، كان من الصعب حجب الدخان عن باقي المنزل".

كان إعداد وجبة الطعام يستغرق نحو ساعتين أو أكثر، بسبب الحاجة المستمرة لإضافة الأخشاب أو البلاستيك داخل الموقد للحفاظ على النار مشتعلة. أما الآن، فيعتقد موسى أن الأزمة ستنتهي مع تعبئة الأسطوانة، إذ لن يتجاوز وقت الطهي ساعة واحدة.

معاناة كبيرة

بينما كان محمد أبو سليمان متجهًا لتسليم أسطوانته إلى أحد الموزعين، بدا الفرح جليًا على وجهه، وقال بصوت مملوء بالسعادة: "أريد حمل الأسطوانة والطيران من شدة الفرح! فهذه هي المرة الأولى التي نتمكن فيها من تعبئة الغاز بعد حرمان طويل. عانينا كثيرًا من إشعال الحطب، وتعرضنا للحروق".

وأضاف : "مع اشتداد أزمة الغاز، لجأنا إلى استخدام الأخشاب، ثم ابتكرت طريقة لإشعال النار بواسطة جهاز يعمل على زيت الطهي (السيرج)، لكنه كان ضارًا بالصحة، وتسبب لنا في أمراض صدرية نتيجة الاختناق، كما أن أدوات المطبخ اكتست بالسواد".

وتابع: "الحمد لله، الآن نستخدم الغاز لإنهاء هذه الأزمة. بالنسبة لي، الحرب لن تنتهي إلا مع انتهاء أزمة الغاز. لقد عانينا حتى من ارتفاع أسعار قدّاحات الغاز التي نفدت من السوق، مما جعل إشعال النار أمرًا صعبًا، فضلًا عن المشقة في جمع الحطب والجلوس أمام الموقد لفترات طويلة".

انتظار بفارغ الصبر

على باب شقته في إحدى العمارات السكنية بمدينة غزة، جلس الستيني أبو أحمد أمام موقد النار محاولًا طهي الطعام على الحطب. كان الدخان يتصاعد من عدة مواقد أمام شقق سكنية أخرى داخل البناية نفسها، ما تسبب في اختناق السكان، خاصة في الطوابق العلوية.

إضافة إلى الدخان، ظهرت بقع سوداء على سقف مدخل الدرج بفعل الأدخنة المتصاعدة من النيران، كما اتسخت الأرض والجدران. يقول أبو أحمد لـ "فلسطين أون لاين": "نحن ننتظر بفارغ الصبر رسالة تسليم الأسطوانة، حتى نرمي هذا الموقد ونتخلى عن إشعال النار بالأخشاب. نريد تنظيف مدخل البيت وطلاء الجدران من جديد، ومع ذلك نطوي صفحة من المعاناة التي عشناها".

وأضاف وهو يجهز وجبة الطعام: "أنا رجل مسن وأعاني من الأمراض، لكني مضطر للجلوس هنا لإعداد الطعام لأبنائي وأحفادي. أحيانًا تستغرق هذه العملية ساعات طويلة، وأحيانًا أضطر إلى تكرار الطهي على مرحلتين".

طابور طويل

في شارع اليرموك بمدينة غزة، اصطفت عدة شاحنات محملة بأسطوانات الغاز أمام محطة تعبئة جديدة داخل المدينة، بعد أن قصف الاحتلال محطات الغاز الواقعة على الأطراف. كان الموزع صابر الزمّارة، الذي يعمل في شركة شمس، يسند ظهره إلى الحائط قرب شاحنته، منتظرًا دوره في التعبئة.

بفارغ الصبر، انتظر الزمّارة تعبئة 150 أسطوانة تحملها شاحنته، مدركًا أن المواطنين يترقبون عودته بشغف للحصول على دفعاتهم الأولى من الغاز، مما سيخفف الأزمة بشكل كبير.

وقال الزمّارة : "نحن هنا لتعبئة أول دفعة من الغاز منذ عام وثلاثة أشهر. لقد أرهقتنا الحياة بسبب استخدام الحطب والبلاستيك والنايلون. اليوم نشعر بفرحة كبيرة، وكأنه يوم عيد، بعد هذا الحرمان الطويل الذي فرضته الحرب على غزة، حيث تعرضنا لتجويع ممنهج وحرمان من مقومات الحياة الأساسية".

وأشار إلى أنه يدون أسماء أصحاب الأسطوانات ويضع علامات عليها لمنع استبدالها، نظرًا لتشابهها الكبير. كما أوضح أن تعبئة 8 كغم فقط لا تكفي للعائلات الكبيرة التي تعاني من نزوح الأسر داخل منازل بعضها بعد تدمير أحياء سكنية واسعة في غزة وشمال القطاع.

من جهة أخرى، أشار إلى مشكلة واجهها الموزعون، حيث إن 50% من المواطنين الذين سلّموا أسطواناتهم لم يكن لديهم سيولة نقدية لدفع تكلفة التعبئة البالغة 55 شيكلًا، مما زاد من الأعباء عليهم.