صالح الشراب العبادي
في الآونة الأخيرة، انتشرت الأعلام والرايات المختلفة في شوارعنا ومحالنا التجارية، وعلى واجهات المباني، حتى كاد العلم الأردني أن يحجب وسط هذا الزخم من الألوان والأحجام المتعددة من الأعلام، هذا المشهد يطرح تساؤلات عميقة حول مكانة العلم الوطني ورمزيته، خاصة عندما يُزاحَم أو يُخفى وسط غابة من الرايات الأخرى. فالعلم الوطني ليس مجرد قطعة قماش، بل هو رمز للسيادة والوحدة الوطنية، والشعار الذي يلتف حوله الشعب تعبيرًا عن انتمائه وولائه.
في العديد من الدول المتقدمة، مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، يُرفع العلم الوطني بفخر أمام المنازل، وعلى مداخل المؤسسات والمتاجر، كإشارة واضحة إلى أن هذه الأرض تخضع لسيادة الدولة، وأن العلم الوطني هو الذي يسمو فوق أي راية أخرى. بل إن بعض الدول تفرض قوانين صارمة تحدد كيفية استخدام العلم وأماكن رفعه، لمنع أي محاولة قد تؤدي إلى تقليل قيمته أو إضعاف حضوره.
في الأردن، كان العلم الوطني دائمًا في مقدمة المشهد، رمزًا للوحدة والاستقلال. لكن في السنوات الأخيرة، بدأت تظهر أعلام بألوان متعددة تمثل أحزابًا أو مؤسسات أو جهات خارجية، وأصبحت ترفع إلى جانب العلم الأردني، بل أحيانًا تغطيه وتحجبه عن الأنظار. هذا الواقع يطرح إشكالية كبيرة: هل أصبح العلم الوطني مجرد راية بين الرايات، أم هو الرمز للوحدة ولسيادة والانتماء؟
عندما تكون الدول مهددة بالتهجير أو الاقتطاع أو الاحتلال، يصبح رفع العلم الوطني في كل مكان وسيلة لتأكيد الهوية والسيادة.
وعلى سبيل المثال لا الحصر دول أوروبا الشرقية خلال فترة الصراعات في التسعينيات، حيث كانت كرواتيا وصربيا والبوسنة والهرسك ترفع أعلامها في كل مكان: على الحدود، وفي الشوارع، وعلى المنازل والمحال التجارية، وحتى في المستشفيات والمصانع. كان ذلك بمثابة رسالة واضحة بأن هذه الأرض تنتمي إلى هذه الدولة، وأن أي محاولة لتجاوز الحدود أو التلاعب بالسيادة ستُقابل بالرفض.
في الأردن، لم يكن من المعتاد أن ينافس العلم الوطني أي راية أخرى، لكن التحديات الجديدة تتطلب منا أن نعيد النظر في كيفية تعاملنا مع هذا الرمز الوطني. فالعلم الأردني ليس مجرد قطعة قماش تُرفع، بل هو رمز للسيادة والاستقلال والانتماء ووحدة التراب الوطني وتكامل بقعته الجغرافية بدون منازع، ويجب أن يبقى في مقدمة المشهد الوطني بلا منازع.
إن انتشار الإعلام الأخرى، سواء كانت تمثل أحزابًا أو مؤسسات أو جهات خارجية أو هيئات ومنظمات داخلية أو دولية، ليس أمرًا مرفوضًا بحد ذاته، لكنه يجب أن يكون ضمن نطاق واضح لا يتجاوز العلم الوطني، سواء من حيث الموقع أو الحجم أو الأولوية. الحل لهذا الوضع لا يكون إلا بتنظيم واضح يحفظ مكانة ورمزية العلم الأردني ويضمن أن يكون دائمًا في الطليعة.
يمكن تحقيق ذلك من خلال إقرار قوانين واضحة تحدد الأماكن التي يجب أن يكون فيها العلم الأردني هو الأبرز، سواء في الشوارع أو المؤسسات العامة وحتى على واجهات المحال التجارية وأمام البيوت، وعلى قمم الجبال الحدودية. كما يجب تنظيم رفع الأعلام الأخرى بحيث تظل ضمن حدود معينة، دون أن تزاحم العلم الوطني، أو تقلل من حضوره.
إلى جانب التنظيم القانوني، يجب تعزيز ثقافة رفع العلم الوطني عبر حملات توعوية تشجع المواطنين على رفعه في منازلهم ومحالهم التجارية والصناعية وواجهاتها، وجميع مباني الدولة العامة والخاصة بدون استثناء. هذه الثقافة ليست مجرد تعبير عن الانتماء، بل هي أيضًا رسالة قوية للعالم بأن الأردن أرض ذات سيادة تامة، لا يمكن التنازل عنها أو العبث بها أو السماح لتمرير المخططات عليها، أو من خلالها، ودلالة على قطعية الرفض للتوطين أو العبث الديمغرافي الذي لا ولن يُسَاوَم عليه..
في ظل التحديات السياسية الحالية، خاصة مع التصريحات الخطيرة التي يطلقها اليمين المتطرف الإسرائيلي حول تهجير الفلسطينيين إلى الأردن ترديداً لما يصرح به ترامب، يصبح رفع العلم الوطني أكثر من مجرد فعل رمزي. إنه تأكيد على رفض أي محاولة لفرض واقع جديد يهدد وحدة الوطن وهويته. ما صدر مؤخرًا من إلزامية وضع سارية عامة أمام كل مبنى هو خطوة في الاتجاه الصحيح، كرمزية حقيقية لتعزيز الهوية الوطنية وإظهارها على رؤوس الأشهاد فرضاً لأي احتمالات أو أفعال من شأنها المساس بالهوية الوطنية الأردنية.
العلم الأردني ليس مجرد قطعة قماش تُرفع، بل هو رمز للسيادة والاستقلال والانتماء. إنه الشعار الذي يجمعنا تحت راية واحدة، ويعبر عن وحدة الوطن ورفضنا لأي محاولة لتهديد سيادته. إن انتشار الإعلام الأخرى يجب أن يكون منظمًا بحيث لا يطغى على الراية الوطنية، حفاظًا على وحدة الهوية الأردنية وتعزيزًا للانتماء الوطني.
فلنرفع علمنا بفخر، ولنحافظ عليه كرمز لا يُنازَع لسيادتنا وهويتنا.