أكد صندوق النقد الدولي أن سياسات الأردن المالية والنقدية الحصيفة حافظت على الاستقرار الاقتصادي وعلى نظرة مستقبلية إيجابية لدى الدائنين الخارجيين ووكالات التصنيف العالمية.
وقال الممثل المقيم لصندوق النقد الدولي في الأردن كريم إسماعيل في مقابلة صحفية لقناة "المملكة"، إن الأُردن أظهر مستوى عاليا من الصُّمود والمَنَعة في مواجهة الصدمات الخارجية، جراء سياساته التي ساعدت على دعم التعافي من جائحة كورونا.
وأضاف أن هذه السياسات حافظت على استمرار قدرة الأردن للوصول إلى الأسواق الدولية، موضحا أن هذه الإجراءات انعكست إيجابا على كفاءة نسبة الاحتياطيات من العملة الأجنبية، وسلامة النظام المصرفي، واحتواء التَّضخُّم رغم ضغوط الأسعار العالمية.
وأشار ممثل الصندوق إلى أن الأردن "ليس بمعزل" عن التداعيات العالمية التي كان لها تأثير كبير على الأسواق الناشئة، موضحا أن الاقتصاد العالمي يواجه تحديات متعددة نتيجة صدمات متتابعة.
- نمو بنسبة 2.7% -
وعن النظرة الاقتصادي للصندوق، توقع إسماعيل أن يبلغ نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي قرابة الـ 2.7% في عام 2023، وأن يصل إلى 3% على المدى المتوسط، بعد أن بلغ 2,5% في العام الماضي صعودا من 2,2% في عام 2021.
وعن تأثير معدلات التضخم العالمية، رجّح تراجع معدل التضخم في الأردن إلى قرابة 3.8% في العام الحالي، بعد أن بلغ 4,2%؛ و"هو أقل نسب التضخم في العالم العربي خارج دول مجلس التعاون الخليجي".
بالنسبة للأهداف المالية العامة، قال إسماعيل لـ "المملكة" إن موازنة الأردن للعام الحالي تهدف إلى تقليص مستوى العجز الأوَّلي للحكومة المركزية (باستثناء المنح) ليصل إلى 2.9% من إجمالي الناتج المحلي، مما يدعم مقتضيات إبقاء القدرة على تحمل الدين، ليعمل على خفض الدين العام من قرابة 90% حاليا إلى 80% من إجمالي الناتج المحلي بحلول عام 2027.
عالميا، أوضح أن النشاط الاقتصادي بعد بداية التعافي من جائحة كورونا، بدأ يتباطأ تحت وطأة الحرب الروسية في أوكرانيا، وارتفاع أسعار السلع الأساسية عالميا، ورفع البنوك المركزية الكبرى أسعار الفائدة من أجل مكافحة التضخم، وازدياد تقلبات الأسواق المالية العالمية مؤخرا؛ خاصة في الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي.
وأشار إسماعيل إلى أن هذه العوامل أدت إلى جعل تقرير (آفاق الاقتصاد العالمي) للصندوق يتوقع أن ينخفض النمو العالمي من 3,4% في عام 2022 حسب التقديرات إلى 2.8% في 2023.
- زخم إصلاحات مالية -
وقال ممثل صندوق النقد إن الأولوية الواجب على الحكومة الأردنية اتباعها في ظل الوضع الاقتصادي العالمي الصعب، هي الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والمالي والاستمرار في تطبيق السياسات الملائمة التي توفر الدعم للنمو المستدام، وفي نفس الوقت حماية الفئات محدودة الدخل.
وأوضح أن تنفيذ هذه الأولويات يتطلب الحفاظ على زخم الإصلاحات المالية التي تشمل زيادة الإيرادات العامة من خلال معالجة التهرب والتجنب الضريبي، وتحسين مستويات الترشيد، و تعزيز كفاءة وشفافية النفقات.
وأضاف إسماعيل لـ "المملكة" أن هذه الأولويات تقتضي أيضا إصلاحات لمعالجة التحديات المالية في قطاعي الكهرباء والمياه، من شأنها رفع كفاءة القطاعين وتقليص الخسائر التي تتحملها الحكومة أدت لرفع الدين العام.
وأشار إلى أن الإصلاحات لتعزيز النمو، ضرورية لمعالجة مستويات البطالة المرتفعة، لا سيما في أوساط الشباب والنساء، موضحا أن معالجة هذه التحديات تتطلب عدة إجراءات، منها مضاعفة الجهود في تطبيق الإصلاحات الهيكلية لتحسين بيئة الأعمال، تقوية المنافسة بين الشركات، زيادة مرونة سوق العمل، وكفاءة القطاع العام.
وأوضح إسماعيل أن هذه الإجراءات تساعد في رفع الإنتاجية وتشجيع الاستثمار واستحداث فرص العمل التي يقودها القطاع الخاص، مشيرا إلى أن تعزيز الحوكمة والشفافية سيضمن نموا أكثر شمولية واستدامة.
وشدد على ضرورة أن يستمر البنك المركزي في اتخاذ الإجراءات النقدية اللازمة للحفاظ على نظام ربط سعر صرف الدينار الأردني بالدولار الأميركي، الذي يخدم استقرار الاقتصاد الأردني.
وعن تغيرات أسعار الفائدة، قال إسماعيل إن رفع البنك المركزي الأردني أسعار الفائدة تماشيا مع رفع سعر الفائدة الأساسي للبنك المركزي الأميركي (الاحتياطي الفيدرالي) ضروري للمحافظة على نظام سعر الصرف الدينار المرتبط بالدولار وعلى مستويات كافية من احتياطات العملات الأجنبية لدعم الاستقرار النقدي والثقة في الدينار.
- استعداد تام لدعم التطلعات –
ويرحّب صندوق النقد الدولي بالتطلعات الاقتصادية المرصودة في رؤية التحديث الاقتصادي، بما في ذلك تسريع النمو وخلق فرص عمل وتخفيف التحديات الناجمة عن التغير المناخي، وفق إسماعيل.
وأشار إلى أن تحقيق هذه الرؤية يتطلب مواصلة الزخم القوي للإصلاحات والسياسات المالية والنقدية الحصيفة التي تحافظ على الاستقرار الاقتصادي مع مضاعفة جهود الإصلاح على الجانب الهيكلي خاصة لدعم الاستدامة المالية قي قطاعي الكهرباء والمياه، وجذب استثمارات القطاع الخاص من خلال تحسين بيئة العمل وتشجيع المنافسة، وجعل أسواق العمل أكثر ديناميكية.
وأكد إسماعيل أن الصندوق ما زال "على أتم استعداد" لدعم الأردن في تحقيق تطلعاته الاقتصادية وتعزيز النمو المستدام والاحتوائي.
- استدامة مالية للكهرباء والماء –
وفي حديثه عن خسائر قطاع الطاقة، قال ممثل صندوق النقد لـ "المملكة" إن شركة الكهرباء الوطنية تتحمل خسائر القطاع، وعجزها يؤدي إلى تراكم الدين العام، وهو عبء يتحمله المواطنون في نهاية المطاف، داعيا الحكومة إلى متابعة الإصلاحات التي تعزز الاستدامة المالية لقطاع الكهرباء.
وللتصدي لهذا التحدي، أشار إسماعيل إلى أن الحكومة الأردنية اعتمدت خطة عمل للحد من خسائر شركة الكهرباء الوطنية بقيمة 90 مليون دينار أردني للعام الحالي، و135 مليون دينار في عام 2024.
وأضاف أن هذه الخطة تنفّذ عبر "رفع كفاءة شركات التوزيع وتمديد رسوم التوصيل للتوليد الذاتي وخفض التكاليف التشغيلية وتأمين إيرادات إضافية لشركة الكهرباء الوطنية، بما في ذلك من خلال الاستفادة بشكل أفضل للبنية التحتية للألياف البصرية".
وعن الاستدامة المالية لقطاع المياه، بين إسماعيل أن الأردن من بين أكثر البلدان جفافا في العالم ويتأثر بشكل خاص بتغير المناخ، مشيدا بدور الحكومة الأردنية لاعتمادها خارطة طريق للاستدامة المالية للقطاع، تهدف إلى تعزيز كفاية المياه في الأردن، مع زيادة الكفاءة في القطاع لتقليل الخسائر مع مرور الوقت.
وأوضح أن تنفيذ أن هذه الخارطة يستلزم استثمارًا دقيقًا في المشاريع الكبيرة مثل مشروع الناقل الوطني لزيادة إمدادات المياه، إضافة إلى مشاريع وسياسات أخرى تساعد في تقليل فاقد المياه من المستوى المرتفع حاليا البالغ قرابة النصف بسبب الخسائر الفنية والاعتداءات.
وقال إسماعيل، إن الصندوق يشجع الجهات المانحة على مواصلة دعم الأردن من خلال توفير الدعم الفني الكافي والمالي الميسر لهذه المشاريع، ومساعدة الأردن على التخفيف من تأثير ندرة المياه على النمو والاستدامة المالية.
المملكة