الجزائر تستعد لمراجعة اتفاق الشراكة مع أوروبا

mainThumb
الجزائر تستعد لمراجعة اتفاق الشراكة مع أوروبا

27-01-2025 02:25 PM

printIcon

اخبار اليوم - تستعد الجزائر والاتحاد الأوروبي لمراجعة اتفاق الشراكة الموقع بينهما قبل أكثر من 20 عاما، خاصة في شقه التجاري والاقتصادي، بما يتلاءم والمعطيات الراهنة للاقتصاد الجزائري.

وجرى توقيع الاتفاق عام 2002 وبدأ تنفيذه في 2005، ويصر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على مراجعتها “بندا بندا”، لما يحمله من “اختلالات كبيرة” في ميزان المنافع لصالح الاتحاد الأوروبي.

ووفق الاتفاق، كان يفترض أن تبدأ الجزائر والاتحاد الأوروبي في 2017 منطقة للتبادل التجاري بصفر رسوم جمركية.

لكن الجزائر طلبت تأجيل العملية بسبب خسائر فادحة باقتصادها، مقابل أرباح طائلة يجنيها الطرف الأوروبي؛ لأن المنتجات الجزائرية لا تجد طريقها إلى الأسواق الأوروبية جراء عراقيل أوروبية.

موافقة بعد جمود
وبعد فتور في العلاقات الثنائية منذ 2020؛ بسبب إصرار الجزائر على مراجعة الاتفاق، حقق الجانبان اختراقا باتجاه إعادة النظر فيه.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي أعلن تبون توصل بلاده والاتحاد الأوروبي لتفاهم حول “ضرورة” مراجعة الاتفاق بـ”سلاسة وصداقة”، دون تحديد تاريخ لبدء العملية.

وقال تبون: “لسنا في نزاع مع الاتحاد الأوروبي، هناك علاقات عادية.. فقط كانت هناك جزائر أخرى وقت توقيع الاتفاق سنة 2002”.

وزاد بأن “نسبة مساهمة الصناعة وقتها في الناتج الداخلي الخام كانت لا تتجاوز 03 بالمئة، أي ليس لنا ما نصدره، نحن كنا نستورد ولا نصدر”.

واستدرك: “لكن اليوم تغيرت الجزائر كثيرا، فلديها إنتاجها ولهذا نطلب المراجعة، لأن أساس الاتفاق هو التبادل الحر”.

وتقول الجزائر إنه بات لديها قاعدة للصادرات خارج قطاع المحروقات (النفط والغاز الطبيعي)، خاصة في الحديد والصلب والأسمنت والصناعات التحويلية والمنتجات الزراعية.

وفي 14 يناير/ كانون الثاني الجاري، ترأس تبون اجتماعا ضم وزراء من الحكومة، لمتابعة مدى تقدم التحضيرات لمراجعة الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، حسب بيان للرئاسة.

والأحد، رحب رئيس الوزراء الجزائري نذير العرباوي، رفقة سفير الاتحاد الأوروبي لدى الجزائر دييغو ميادو باسكوا، بالاجتماع المرتقب للجنة الفنية الثنائية للتشاور بشأن العلاقات التجارية بين الجانبين.

وقالت الحكومة الجزائرية إن العرباوي وباسكوا خلال لقائهما “شددا على أهمية إلتئام مجلس الشراكة الجزائري الأوروبي، الذي سيكون فرصة للشريكين، بروح من الصداقة والتفاهم المتبادل”.

وأضافا أن المجلس سيعمل على “تقييم التعاون الثنائي، ودراسة فرص تعزيزه وتطويره، مع الأخذ في الاعتبار التطورات التنموية الداخلية التي حدثت في الجزائر”.

لماذا يجب مراجعته؟
بعد نحو 20 عاما من دخول الاتفاق حيز التنفيذ، خلصت الجزائر إلى أن خسائرها هائلة، مقارنة بما يجنيه الاتحاد الأوروبي من أرباح؛ لأنه لا يتم تطبيق الاتفاق، الذي ينص على التبادل التجاري الحر.

وترى الجزائر أن الاتحاد الأوروبي اتخذ من البلاد متجرا لتسويق منتجاته، بينما تُمنع المنتجات الجزائرية من دخول السوق الأوروبية؛ بسبب عراقيل فنية وإدارية.

واعتبر وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، في مؤتمر صحافي نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أن اتفاق الشراكة الراهن “بمثابة أصفاد ضخمة في أرجل الاقتصاد الجزائري”.

وأردف عطاف: “لدينا مآخذ على شركائنا الأوروبيين الذين يرون أن الاقتصاد متوقف سنة 2005، وأن التطور الصناعي للبلاد يمثل إخلالا بالاتفاقية”.

واستدل بـ”منع الاتحاد الأوروبي دخول الصلب الجزائري إلى أسواقه، بمبرر استنفاد حصص الجزائر التي خصصت في وقت كانت لا تنتج فيه هذه المادة”.

وأشار إلى أن فرض بروكسل ضريبة على الكربون سيمنع الكثير من الصادرات الجزائرية من الدخول، وقدَّم أرقاما تثبت أن “الاتفاقية ليست لصالح الجزائر، ومضرة”.

وأفاد بأنه “بين 2005 و2023 كانت قيمة التجارة بين الجانبين نحو 1000 مليار دولار، بينما لم تتجاوز الاستثمارات الأوروبية في الجزائر 13 مليار دولار.

وأوضح أن “منها 12 مليار دولار تعود للجانب الأوروبي ضمن ما يسمى تحويل للأرباح، ليبقى للجزائر 1 مليار دولار فقط”.

وشدد على أنه لهذه الأسباب أمر الرئيس تبون بمراجعة الاتفاق “بندا بندا؛ لأنه ليس في صالح الجزائر ولا في صالح الاقتصاد الجزائري”.

اتفاق غير عادل
وقال المحلل الاقتصادي صالح سليماني للأناضول إن “الاتفاق كان في صالح الاتحاد الأوروبي، والجزائر من حقها أن تعيد النظر فيه جذريا، فهو غير عادل وغير مجدٍ وأضر أكثر مما نفع، والاتحاد الأوروبي يعلم ذلك”.

وزاد بأن “الاتفاق تم التفاوض عليه بشكل سيء من قبل الجزائر سنة 2002، حين خرجت لتوها من أزمة أمنية مرهقة أواخر التسعينات”.

واستطرد: “كان اقتصادها ضعيفا ولم يعطيها قدرة تفاوضية، ولم تكن في موقع قوة لتفرض شروطا، فكان الاتفاق في صالح الاتحاد الأوروبي”.

و”يومها لم يتجاوز الناتج المحلي للجزائر 500 مليون دولار خارج المحروقات، وإلى غاية 2017 اكتفت بتصدير 15 مليار دولار مقابل حوالي 600 مليار دولار صادرات للاتحاد الأوروبي باتجاه الجزائر”، وفق سليماني.

وأضاف أن الجزائر ظلت بموجب اتفاق الشراكة “عبارة عن منفذ للسلع الأوروبية، وحتى المساعدات المالية الأوروبية الموجهة لدعم وإعادة تأهيل المؤسسات، كان يستولي عليها الخبراء الأوروبيون الذين يقدمون المساعدات التقنية”.

ولفت إلى “التركيز المفرط على الشق التجاري للاتفاق، بينما توجد محاور إنسانية، إذ ينص صراحة على تحقيق تنقل حر للأشخاص بين الطرفين، لكن هذا الجانب لا يأتي على ذكره أبدا ويتم فرض التأشيرة بشروط صارمة على الجزائريين”.

كيف يُراجع؟
وزير التجارة الجزائري الطيب زيتوني أكد أن الاتفاق يتضمن الكثير من الاختلالات في أبوابه التسعة، وليس فقط الباب التجاري.

وقال زيتوني، في مؤتمر صحافي السبت، إن “منتجاتنا ممنوعة في أوروبا، ولا بد من اتخاذ إجراءات تبنى على الواقع الجديد للاقتصاد الجزائري”.

وفي السياق، يرى الخبير في التجارة الخارجية نبيل جمعة أن الجزائر يجب أن تعيد التفاوض بالشكل الذي يسمح بتحقيق “شراكة متكافئة ومستدامة بين الطرفين”.

وقال جمعة إن الميزان التجاري مختل بشكل كبير لصالح الاتحاد الأوروبي، “فصدرت الجزائر نحو أوروبا تبلغ 150 مليار يورو خلال 15 سنة، وكلها محروقات، بينما صدرت بروكسل باتجاه الجزائر 500 مليار يورو خلال الفترة ذاتها”.

وأردف: “هذا يعني أن العجز التجاري للجزائر يقدر بـ350 مليار يورو جراء هذا الاتفاق”.

وبيَّن أن “المراجعة لا تعني إعادة صياغة نص اتفاق جديد، بل تبدأ بإلزام الطرف الأوروبي بتطبيق الكثير من البنود الواردة في الاتفاق الحالي”.

جمعة أشار إلى المادة 42 من الاتفاق تنص على حماية الإنتاج المحلي، “لكنها لم تطبق وتضرر الاقتصاد الجزائري كثيرا وأفلست مؤسسات؛ جراء تدابير إعفاء المنتجات الأوروبية المستوردة من الرسوم الجمركية”.

وأكد ضرورة رفع القيود على وصول المنتجات الجزائرية إلى الأسواق الأوروبية، عبر معايير تقنية وصحية تستخدم ذريعة لمنع المنتوج الجزائري.

وقال إن الاتحاد الأوروبي يرفض استقبال المنتجات الزراعية الجزائرية كالتمور، بينما يقبل التمور نفسها من تونس.

وحث جمعة الحكومة الجزائرية على وضع قيود على الواردات الأوروبية التي تضر باقتصاد البلاد، مع تحفيز الاستثمار الأوروبي في الصناعات الإنتاجية وتحويل التكنولوجيا.

ولفت إلى أن أغلب هذه النقاط منصوص عليها بالفعل في اتفاق الشراكة الراهن، لكن الاتحاد الأوروبي أخل بها.

(الأناضول)