أخبار اليوم - كانت رؤية الأطفال بعيدين عن مقاعد الدراسة، خاصة خلال فترة النزوح من محافظة خانيونس إلى مدينة رفح ثم إلى المواصي، تؤلم الصحفية آلاء شبير. لذلك، كانت أول ما فكرت فيه عند عودتها إلى مدينتها هو إطلاق مبادرة تعليمية تعيد أبناءها وأبناء جيرانها إلى أجواء الدراسة، لتخفف عنهم جزءًا من ويلات الحرب النفسية وتعوضهم عن جزء من الفاقد التعليمي. وهكذا، أسست الصحفية "ملتقى أبو حميد التعليمي" في قلب خانيونس المدمرة، التي عاث فيها الاحتلال الإسرائيلي فسادًا خلال اجتياحه البري للمدينة.
كان من حسن حظ شبير أن منزل عائلتها نجا من آلة الدمار الإسرائيلية التي دمرت الكثير من المنطقة. قررت أن تنفض الغبار عن مخازن المنزل المغلقة وتنظفها بمساعدة أبنائها وأبناء أشقائها، لتحويلها إلى مكان مناسب للتعليم. جلبت "شوادر وسجاد" النزوح وفرشتها في المكان، واستخدمت كل كرسي متوفر في المنزل. لكن الكراسي لم تكن كافية، فطلبت من الطلاب إحضار ما يتوفر في منازلهم من كراسي و"سكمبلات".
وبدأ العمل على قدم وساق، ليفتتح المركز أبوابه في الأول من سبتمبر بحوالي عشرين طالبًا من أبناء شبير وأبناء أشقائها. وبمساعدة معلمين من الأقارب، بما في ذلك شقيقتها وابنة عمها وابنة عمتها، بالإضافة إلى عدد من المعلمات المتطوعات من ذوات الخبرة في المدارس الحكومية والخاصة، وبعض حديثات التخرج، بدأت الرحلة التعليمية.
وبكتابة إعلانات بخط اليد على كراتين الشيبسي والبسكويت، ونشرها في أماكن التجمعات وعند المخاتير وبين المنازل، تزايد الإقبال على المركز حتى وصل عدد الطلاب إلى حوالي 500 طالب، من مرحلة التمهيدي وحتى الصف العاشر. يدرس الطلاب المواد الأساسية الأربع: العلوم، الرياضيات، اللغة العربية، واللغة الإنجليزية.
ولم تغفل شبير أهمية الدعم النفسي للطلبة، خاصة أولئك الذين فقدوا أحد أقاربهم خلال الحرب أو تعرضوا لصدمات نفسية. وفرت المركز مرشدة نفسية تقوم بجلسات تفريغ نفسي للطلبة، بالإضافة إلى أنشطة ترفيهية مثل مباريات كرة القدم وحصص الرسم، كجزء من برنامج الدعم النفسي.
وبفضل العمل الدؤوب، أصبح المركز معتمدًا من وزارة التربية والتعليم في خانيونس، حيث يحصل المنتسبون عليه على شهادات رسمية بإنهاء العام الدراسي، ويتم ترقيتهم للعام الدراسي المقبل. كما زودت منظمة UNDP المركز بثلاثين مقعدًا خشبيًا، مما وضع حدًا لجلوس الطلاب على الأرض.
وتوضح شبير أن جميع المعلمين يعملون كمتطوعين دون أي مقابل مادي من أي جهة، أو حتى من الطلاب. تقول: "هدفنا إعادة الطلاب إلى أجواء المدرسة. أطفالنا لم يخلقوا للوقوف في طوابير المياه والتكيات، بل كان ينبغي أن يكونوا في طابور المدرسة"
ويعتمد المركز الآن النظام المدرسي المعتاد، بدءًا من طابور الصباح والاستماع للإذاعة المدرسية، ثم الانتقال إلى الصفوف للدراسة وفق جدول دراسي محدد للمواد الأساسية، بالإضافة إلى حصص الترفيه.
هذه المبادرة ليست مجرد مشروع تعليمي، بل هي رسالة أمل وإصرار على مواجهة الدمار بالعلم والإرادة، لتثبت أن الحياة تستمر رغم كل الصعوبات.
فلسطين أون لاين