بإرادة من حديد .. آية حسُّونة تتحدَّى الحرب وتناقش رسالة الماجستير

mainThumb
بإرادة من حديد.. آية حسُّونة تتحدَّى الحرب وتناقش رسالة الماجستير

16-01-2025 02:54 PM

printIcon

أخبار اليوم - بثوبها المطرز الذي اشتراه لها زوجها الشهيد عبد الله قبل رحيله، وبالخاتم الذهبي الأخير الذي وضعه في إصبعها قبل أن يفارقها، وقفت الشابة أية حسونة في مكان نزوحها بمدينة خانيونس لتُناقش رسالة الماجستير، محققة بذلك حلم زوجها الذي كان داعمها الأول في مسيرتها التعليمية.

كانت تتطلع بين الحضور إلى وجوه أطفالها الثلاثة: عبد الله، حمزة، ورغد، الذين فقدتهم في حرب الإبادة المستمرة على غزة، متخيلة إياهم بجانبها يرتدون الملابس الجديدة التي كانت قد أعدتها لهم لهذا اليوم الذي كانوا يخططون له قبل أن تحول الحرب أحلامهم إلى رماد.

فقدان مؤلم

لم تكن أية تتخيل أن يأتي هذا اليوم وهي وحيدة، بعيدة عن زوجها الذي كان رفيق دربها، وعن أطفالها الصغار الذين كانوا زهرة حياتها. فقدت أية زوجها عبد الله، وطفليها حمزة (4 سنوات) ورغد (عامان)، في انفجار مروّع أثناء نزوحهم من شمال غزة إلى خانيونس. لم تكن خسارة أسرتها أمرًا سهلاً، بل كانت صدمةً هزت كيانها، لكنها قررت أن تحول هذا الألم إلى وقود لتحقيق الحلم الذي كانت تتشاركه مع زوجها.

كان عبد الله، الذي يحمل درجة الماجستير في الأدب والنقد العربي، داعمًا كبيرًا لأية في مسيرتها الأكاديمية. منذ أن اقترح عليها دراسة الماجستير، كان يساندها في كل خطوة، من رعاية الأطفال إلى المساعدة في إعداد رسالتها. حتى بعد استشهاده، استمرت أية في تلقي الدعم من والد زوجها، الدكتور ماهر السوسي، المحاضر في الجامعة الإسلامية، الذي لم يتوقف عن تشجيعها على إكمال مسيرتها التعليمية.

قبل الحرب، كانت أية قد أنهت تقريبًا إعداد رسالتها وكانت تستعد لمناقشتها في أكتوبر 2023. لكن الأوضاع انقلبت رأسًا على عقب مع بداية الحرب، واضطرت أية وأسرتها للنزوح من شمال غزة، تاركةً خلفها كل ما يخص رسالتها، بما في ذلك حاسوبها الشخصي. استقرت أية وعائلة زوجها في رفح أولاً، ثم انتقلوا إلى خانيونس بعد اجتياح الاحتلال الإسرائيلي لرفح، حيث عاشوا في خيام النزوح في ظروف بالغة الصعوبة.

مع بدء الجامعات في استئناف عملها، قررت أية أن تناقش رسالتها، مستلهمةً تشجيع زوجها الراحل. ومع أن مشرفها نصحها بالانتظار حتى تعود إلى شمال غزة، إلا أن إصرارها على المضي قدمًا كان أقوى، خاصة بعد أن رأت العديد من زملائها ينهون مناقشاتهم. في أغسطس 2023، عاودت الاتصال بمشرفها، لكن قبل أن تتلقى ردًا، وقعت المأساة التي فقدت فيها زوجها وأطفالها.

تحديات جسيمة

بعد شهر من الصراع مع الألم الجسدي والنفسي، بدأت أية تتعافى من إصابتها الخطيرة التي نتجت عن شظية اخترقت كليتها اليسرى. خلال هذه الفترة، وجدت عزاءها في القرآن الكريم والأحاديث النبوية التي تتحدث عن فضل الصبر وأجر الشهداء. وفي لحظة مفصلية، تلقّت اتصالًا من مشرفها يعزيها في فقدان أسرتها ويشجعها على المضي قدمًا في مناقشة رسالتها.

قررت أية أن تواجه التحدي، مدفوعةً بتشجيع والد زوجها ووالدها، الذي كان يوفر لها الإنترنت في المخيم بشق الأنفس. واجهت صعوبات جمة في إعداد رسالتها، من نقص الأجهزة إلى التنقل المرهق بين المخيم والمستشفى، لكنها لم تستسلم. وفي التاسع من يناير 2024، وبعد خمسة أشهر من فقدان أسرتها، ناقشت أية رسالتها في مراسم بسيطة بحضور عائلة زوجها، بينما تابعها بقية أفراد أسرتها عبر الإنترنت.

تقول أية: "كانت لحظات صعبة، خاصة عندما كنت أتذكر زوجي وأطفالي. لكنني قررت أن أُكمل هذا الحلم لأجلهم، ولأجل زوجي الذي كان يؤمن بي وبقدراتي".

بهذا الإصرار والعزيمة، أصبحت أية حسونة نموذجًا للتحدي والصمود في وجه الظروف القاسية، محققةً حلمًا كان يراودها وتراود زوجها الراحل، لتثبت أن الإرادة قادرة على تجاوز كل الصعاب.