اخبار اليوم - تحل اليوم الثلاثاء الذكرى السنوية الرابعة عشرة لإطاحة الثورة الشعبية التونسية بالرئيس زين العابدين بن علي في 14 يناير/ كانون الثاني 2011، وهو اليوم الذي شهد تجمعا حاشدا للمحتجين في شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة تونس، حيث كان المشهد عفويا، حسب تصريحات العديد من النشطاء الذين شاركوا في تلك المظاهرات.
من بين هؤلاء النشطاء، تحدث فتحي الغزواني، الناشط السابق بالاتحاد العام للطلبة وسجين سياسي، قائلا "لما غادرت البيت صباحا للالتحاق بالمظاهرة، قلت لزوجتي هذا آخر يوم في حكم ابن علي".
وأضاف الغزواني في حديثه مع وكالة الأناضول، أن "هناك غليانا وحسما في الشارع لدى الناس وإصرارا على أنه لا تراجع"، مشيرا إلى أن الحشود كانت تضم أشخاصا من مختلف الشرائح الاجتماعية.
وأوضح أنه "من مداخل الشارع الرئيسي (الحبيب بورقيبة)، كنت ترى الناس قادمين من كل الأنهج، لا أحد يقود، وكانت شعارات تُرفع”، معتبراً أن الشعار الأكثر ترديداً كان: ارحل".
ورغم الحشد الكبير والتوتر الشديد في ذلك اليوم، أشار الغزواني إلى المفاجأة التي حصلت حين "فجأة غادر ابن علي البلاد"، مضيفا: "لم يكن أحد يتوقع أن ابن علي سيهرب إلى السعودية، حيث توفي لاحقا في 2019". وأردف قائلا: "لم نكن نتوقع أن من كان جاثما على رقاب الناس يغادر بتلك البساطة".
وتحدث الغزواني عن التغيرات التي حصلت بعد الثورة قائلا: "منذ 14 يناير 2011 إلى اليوم والبلاد تعيش إرهاصات، فالشعب ذاق الويلات وفي الوقت نفسه ذاق طعم الحرية ولا أتصور أن يتنازل عنها".
وأضاف "نحن على الأقل كجيل لا نطلب شيئا لنا، نحن ضحينا، ولكن غير مستعدين أن نترك إرثا سيئا لأبنائنا بعد أن ذقنا طعم الحرية"، موضحا أن الشعوب تتمسك بالحرية وأن ما عاناه الشعب السوري لم يعانيه أي شعب آخر في المنطقة، حيث اعتبر أن "ربيع 14 يناير رجع من هناك".
"حدث فارق في التاريخ"
وفي تقييمه لذلك اليوم، وصف وسام الصغير، متحدث الحزب الجمهوري والناشط السابق بالحزب الديمقراطي، 14 يناير 2011 بالحدث الفارق في التاريخ التونسي، وقال: "يمثل حدثاً فارقاً في التاريخ… هذا اليوم ذو أهمية في الذاكرة الوطنية لما مثله من تغيير في المشهد العام التونسي".
وأشار في حديثه مع الأناضول، إلى أن "الحدث كان نتيجة تراكم في نضالات ساهمت في حصول حالة الانفجار والغضب الشعبي الذي رأينا تمظهراته يومها من خلال الوفود الكبيرة التي جاءت إلى شارع الحبيب بورقيبة".
وأوضح الصغير أن ذلك اليوم كان "له رمزية كبيرة، كونه تسبب في هروب رأس السلطة التنفيذية، وساهم في تغيير سياسي عشنا على وقعه عبر محطات انطلاقاً من المجلس التأسيسي (2011 ـ 2014) وصولاً إلى انتخابات مجلس النواب وانتخاب رئيس الجمهورية".
وأكد أن "الـ11 عاما التي عشناها بعد الثورة حملت جزءا كبيرا من التغيير الإيجابي، وتمكن المجتمع التونسي والنخب من تحصيل مسألة تحقيق الحريات".
ورغم التغييرات الإيجابية، أشار الصغير إلى وجود "اختلالات" في مسار الثورة بعد 14 يناير، مؤكدا أن "المناكفة السياسية طغت أحيانا، وبعض تحالفات قامت على التكتيك والمصلحة، ما ساهم في حالة غضب جاءت بعد حالة ردة".
"الانتكاسة بعد 25 يوليو 2021"
وقال الصغير إن "الثورة عاشت انتكاسة بعد 25 يوليو 2021"، وهو اليوم الذي بدأ فيه الرئيس قيس سعيد اتخاذ إجراءات استثنائية شملت حل مجلسي القضاء والنواب، وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية، وإقرار دستور جديد عبر استفتاء، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة.
واعتبر العديد من القوى السياسية التونسية هذه الإجراءات "تكريسا لحكم فردي مطلق"، بينما تراها قوى أخرى مؤيدة لسعيد "تصحيحا لمسار ثورة 2011".
واختتم الصغير قائلا "ما يحصل الآن من تشفي وتنكيل وقمع للحريات هو ما يجعلنا نفكر في سبل فهم هذا الاختلال والاستعداد لفترة من المقاومة والصمود لمحاولة استرجاع ما تم تحقيقه من مكاسب".
رؤية من الجيل الجديد
أحمد الهمامي، متحدث تحالف "أحرار" الموالي للرئيس سعيد، تحدث عن يوم 14 يناير 2011 قائلا: "كان عمري 23 عاماً، وتجمع 14 يناير كان عفويا”.
وأضاف "خرجنا بالآلاف والشعار المركزي كان ’الشعب يريد إسقاط النظام’ و’شغل حرية كرامة وطنية’ و’التشغيل استحقاق يا عصابة السراق’"، مشيرا إلى أن “شعار الحريات كان مرفوعا، خاصة بعد القمع الذي عشناه طوال 23 سنة، كما رُفع شعار ’خبز وماء وابن علي لا’ أمام وزارة الداخلية".
وأكمل الهمامي حديثه بالقول "في المساء تفاجأنا بنشر أخبار عن فرار ابن علي، ولا أحد كان يتوقع هروبه، فيوم 14 يناير كنا ذاهبين لأكثر ضغط".
وأشار إلى أنهم "لم يكونوا يقبلون فكرة عقد ابن علي اتفاق مع المعارضة أو تكليف وزيره الأول محمد الغنوشي ببرنامج انتخابات سابقة لأوانها"، لافتا إلى أن الشعب كان يشكك في مصداقية هذه الانتخابات.
ورغم الآمال الكبيرة التي ارتبطت بثورة 2011، اعتبر الهمامي أنه "بعد 10 سنوات لم يتحقق أي شيء"، حيث اكتشفوا أن "خروج ابن علي وتولي الغنوشي، والمبزع والباجي قايد السبسي، هو ركوب على الثورة". وأضاف أن "النظام السابق تمكن من مواصلة الحكم بعد الثورة، وأن التحالفات السياسية لم تحقق التغيير المطلوب".
وأكد الهمامي أن "الشعب هلل لـ 25 يوليو 2021 عندما جمد الرئيس البرلمان ثم حله"، داعيا الرئيس سعيد إلى "التسريع في المحاسبة وإنجاز منوال تنموي جديد يقفز بالبلاد، لأننا خسرنا 10 سنوات بعد الثورة في الصراعات الحزبية التوافقية".
يشار إلى أن الرئيس التونسي قيس سعيد بولاية ثانية في انتخابات تشرين الأول /أكتوبر 2024، حيث يستمر في منصبه لمدة 5 سنوات أخرى.