الطَّبيب أبو شحادة يروي تفاصيل 11 شهرًا في جحيم "إسرائيل"

mainThumb
الطَّبيب أبو شحادة يروي تفاصيل 11 شهرًا في جحيم "إسرائيل"

13-01-2025 12:32 PM

printIcon

أخبار اليوم - لساعات طويلة، ظلُّ الدُّكتور محمود أبو شحادة لا يعرف إلى أين تقلُّه المركبة الإسرائيليَّة وهو معصوب العينين، حتَّى توقَّفت المركبة قرب بوَّابة معبر كرم أبو سالم جنوب قطاع غزَّة. هناك، أزال الجنود العصبة عن عينيه ليرى النُّور مجدَّدًا بعد أشهر من الظَّلام والتَّعذيب القاسي في سجون الاحتلال. تغيَّرت ملامحه، بجسد نحيل ولحية كثَّة، وهو يرتدي ملابس السِّجن الرَّماديَّة. طلب منه الرَّكض نحو سيَّارة تابعة للَّجنة الدَّوليَّة للصَّليب الأحمر تنتظره على الجانب الآخر، بينما كان في حالة صحِّيَّة وجسديَّة متدهورة، وأسلحة الجنود الإسرائيليِّين موجَّهةً إلى ظهره.

"عندما رأيت أمي لأول مرة بعد كل تلك الأشهر، شعرت أنني عدت إلى الحياة. قبلت قدميها، وكانت دموعي هي كل الكلمات التي لم أستطع التعبير عنها"، يروي الدكتور محمود عن تلك اللحظة المؤثرة بعد وصوله إلى قطاع غزة. لكن الفرحة كانت منقوصة، إذ ظل قلبه معلقًا بالأسرى الذين تركهم خلفه في السجون.

"شعرت بالحرية، لكن الحرية ليست كاملة. كنت أفكر في زملائي الأسرى الذين يعانون كما عانيت، وربما أكثر. لا يمكنني أن أفرح بالكامل وأنا أعلم أن هناك من لا يزال يعيش الجحيم"، أضاف الدكتور محمود لصحيفة "فلسطين".

من المستشفى إلى السجن

الدكتور أبو شحادة، رئيس قسم العظام في مستشفى ناصر الطبي بخان يونس جنوب قطاع غزة، عاد بالذاكرة ليسترجع مشهد اختطافه من المستشفى في فبراير من العام الماضي. يومها، تغيرت حياته المهنية والإنسانية فجأة، وتحولت إلى رحلة مليئة بالألم والصمود. اقتحمت قوات الاحتلال مستشفى ناصر واعتقلته دون أي تهمة، مع العشرات من الكوادر الصحية أثناء تأديتهم واجبهم الإنساني، ليقضي 11 شهرًا في السجن تحت أسوأ ظروف الاعتقال.

خلال فترة سجنه، تعرض الدكتور محمود لأبشع أنواع التعذيب الجسدي والنفسي. الحبس الانفرادي، الاعتداءات المتكررة، التنقل بين السجون، والحرمان من النوم والطعام، كلها كانت جزءًا من معاناته اليومية. "كانوا يحاولون كسر إرادتي بكل الطرق، لكنني تمسكت بإيماني بالله وواجبي تجاه شعبي. لم أكن طبيبًا فقط، بل شعرت أنني أمثل صوت الإنسانية الذي يريدون إسكاتها"، يقول الدكتور محمود.

ومع مرور الأشهر، بدأ الدكتور، كغيره من الأسرى، يعاني من أمراض جلدية نتيجة الإهمال الطبي وسوء الظروف الصحية في السجن. "الأمراض لم تكن فقط جسدية، بل كان الألم الأكبر هو تركي لوالدتي وأهلي ومرضايا الذين كانوا بحاجة لي"، أضاف بحزن.

عودة إلى المهنة

وبنبرة مليئة بالإصرار والتحدي، أكمل الدكتور: "عندما أتماثل للشفاء، سيكون أول ما سأقوم به هو العودة إلى ميدان المهنة التي أرى فيها واجبي الوطني والإنساني". لكنه أكد أنه لن يكف عن الحديث عن معاناة الأسرى، إضافة إلى رسالته كطبيب، خاصةً أنه شهد بنفسه قسوة الاحتلال.

حكاية الدكتور محمود أبو شحادة شهادة على قوة الإرادة والصمود في وجه الظلم. رجل اختُطف من قلب مهنته الإنسانية، لكنه عاد بروح أقوى وإصرار أكبر على مواصلة رسالته الطبية والإنسانية. وبعد أيام، سيعود لمعالجة مصابي الحرب التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ أكثر من 460 يومًا. غير أن قلبه سيبقى مع من تركهم خلفه من زملائه الأطباء والممرضين والكثير من الأسرى، متمنيًا أن يروا جميعهم النور ويعود كل أسير إلى حضن أمه.

من جهتها، حذرت منظمة الصحة العالمية الأسبوع الماضي من انهيار النظام الصحي في قطاع غزة في ظل تصاعد التهديدات التي تواجهه بسبب الضربات الإسرائيلية. ودعت إلى ضرورة وقف استهداف الاحتلال للمستشفيات.

وصرح مدير منظمة الصحة العالمية، تيدروس غيبرييسوس، بأن النظام الصحي في قطاع غزة تحت تهديد شديد، مستنكرًا جريمة استهداف المستشفيات، والتي كان آخرها حرق مستشفى كمال عدوان شمال القطاع المحاصر وإخراجها عن الخدمة، عقب اعتقال 450 شخصًا من الكوادر الطبية، على رأسهم مدير المستشفى الدكتور حسام أبو صفية، بالإضافة إلى استهداف مستشفيي الوفاء والأهلي "المعمداني" بمدينة غزة.

وبحسب آخر معطيات وزارة الصحة في قطاع غزة، فإن 1060 شخصًا من الكادر الطبي في القطاع استشهدوا منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، فيما اعتقل وأصيب المئات، ودُمّرت نحو 130 سيارة إسعاف.


فلسطين اون لاين