أخبار اليوم - من رحم المعاناة يولد الأمل.. هذه المقولة التي تؤمن بها حليمة أبو خوصة دفعتها لتجاوز الصعاب التي واجهتها بحنكة وصبر، لتحقق حلمًا نابعًا من قلبها: إعادة التعليم للأطفال المحرومين من حقهم فيه بسبب الحرب والنزوح.
أبو خوصة، الحاصلة على شهادة بكالوريوس في التعليم الأساسي، أسست قبل الحرب مركزًا تعليميًا يخدم الطلاب في شمال قطاع غزة، حيث كانت تسعى لتوفير بيئة تعليمية آمنة ومساندة.
لكن الحرب فرضت واقعًا آخر، فاضطرت حليمة، مثل آلاف العائلات، للفرار من منزلها في الشمال إلى جنوب القطاع بحثًا عن الأمان.
تقول أبو خوصة لـ "فلسطين أون لاين": "بعد موجات النزوح المتكرر، لم تثنِ عزيمتي، بل كانت دافعًا لبداية جديدة، خاصة بعد استقرارنا في المدرسة الصناعية بدير البلح، حيث بدأت فكرة المبادرة بإنشاء خيمة تعليمية".
فقبل نحو 9 أشهر، وفي ظل الظروف الصعبة التي يعاني منها الأطفال في المخيمات، قررت حليمة وزميلاتها من المعلمات تقديم شيء مختلف، فاجتمعن على فكرة إنشاء "خيمة تعليمية" لخدمة الأطفال المحرومين من التعليم.
وبمساعدة 9 معلمات متطوعات، بدأت بتنفيذ برنامج تعليمي يومي يركز على المواد الأساسية دون إغفال باقي المواد. واستقطبت الخيمة ما يقارب 160 طالبًا من الصف الأول الابتدائي حتى التاسع.
وكان التحدي الأكبر أمام أبو خوصة هو توفير بيئة تعليمية في خيمة بسيطة رغم التحديات وعدم توفر الإمكانيات، لكن هذا لم يمنعها من مواصلة العمل.
وتوضح أن المبادرة لم تقتصر على التعليم التقليدي فقط، بل تضمنت برنامجًا خاصًا يُسمى "قصة نزوحِي"، الذي يعد شكلًا من أشكال التفريغ النفسي للأطفال الذين تحملوا الكثير من القسوة بسبب الحرب والنزوح المستمر.
وتضيف أبو خوصة: "لقد رأيت بأم عيني كيف أثر النزوح والحرب على الأطفال، وكيف كان التعليم أحد الوسائل التي يمكن أن تعيد لهم بعض الأمل.
هذه المبادرة لم تكن مجرد فكرة تعليمية، بل كانت وسيلة لتخفيف العبء النفسي الذي حملوه. فمن خلال سرد قصصهم، يشعر الأطفال بأنهم ليسوا وحدهم في معاناتهم".
وتتابع حديثها: "التعليم في هذه الظروف ليس مجرد تعليم أكاديمي، بل هو علاج نفسي، وفرصة لإعادة بناء شخصية الطفل وتعزيز ثقته بنفسه".
وتشير أبو خوصة إلى أن الطلاب باتوا يتسابقون في سرد قصصهم بشغف، وقد لاحظت انعكاس ذلك على استعدادهم للتعلم. كما ساهم البرنامج في تحسين سلوكيات بعض الطلاب الذين يعانون من فرط الحركة أو صعوبات التعلم، وتجاوز آخرون مشاكل القراءة والكتابة والخجل.
وترى أبو خوصة أن التعليم في ظل الحرب لا يكفي أن يكون أكاديميًا فقط، بل يجب أن يعتني بالجانب النفسي للأطفال، مما يساعدهم على تجاوز الصعوبات التي مروا بها.
وتواجه أبو خوصة العديد من التحديات، مثل عدم وجود مكان مناسب يتسع لجميع الطلبة الراغبين في الالتحاق بالخيمة، وعدم توفر المقاعد الكافية، حيث لا يوجد سوى 25 كرسيًا، بينما يفترش باقي الطلبة الأرض.
وتكمل حديثها: "غالبية الأطفال الملتحقين بالخيمة يحتاجون للمساعدة بسبب أوضاعهم الاقتصادية الصعبة، حيث يقدم بعضهم حافي القدمين ويرتدون ملابس صيفية رغم برودة الجو".
وتسعى أبو خوصة وزميلاتها لتوسيع عملهن رغم التحديات المستمرة، حيث يتم التخطيط لمزيد من الفعاليات والنشاطات التعليمية التي تتناسب مع احتياجات الأطفال في هذا الوضع الاستثنائي.
وتعد أبو خوصة التعليم السلاح الأقوى لإعادة بناء الأجيال القادمة، رغم كل الصعوبات. وتقول: "سنظل نعمل حتى نرى أطفالنا في وضع أفضل".
ومن وجهة نظرها، فإن "الخيمة التعليمية" ما هي إلا نقطة انطلاق لآمال كثيرة، حيث تواصل حليمة وزميلاتها عملهن بكل طاقة، ويبقى الأمل في إحداث فارق حقيقي في حياة الأطفال الذين هم بأمس الحاجة إلى كل فرصة للتعلم والشفاء النفسي.
المصدر / فلسطين أون لاين