بقلم: د. لبنى حنا عماري
أصبح التعليم المستدام، الذي يهدف إلى تزويد المتعلمين بالمعرفة والمهارات اللازمة لمواجهة التحديات العالمية، ركيزة أساسية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة. ويبرز دور التكنولوجيا في هذا السياق كعامل محوري يساهم في تقديم تعليم شامل وعالي الجودة، كما يعزز من الوعي الرقمي والانخراط في قضايا الاستدامة. ومع التطور السريع للأنظمة التعليمية حول العالم، أصبح دمج التكنولوجيا في التعليم المستدام أولوية لصناع السياسات والممارسين.
تكمن أهمية التعليم المستدام في قدرته على معالجة تحديات اجتماعية وبيئية واقتصادية معقدة. فالتطورات التكنولوجية لم تحدث فقط تحولًا في طرق التدريس التقليدية، بل أتاحت أيضًا تجارب تعلم مخصصة تلبي احتياجات المتعلمين المختلفة وتعزز من المساواة التعليمية. على سبيل المثال، تظهر برامج مثل "المدارس البيئية" كيف يمكن للتكنولوجيا أن تكون أداة فعالة في رفع مستوى الوعي البيئي بين الطلبة من خلال المشاريع القائمة على البيانات.
ومع ذلك، يواجه دمج التكنولوجيا في التعليم المستدام العديد من التحديات، أبرزها العدالة الرقمية، وتأهيل المعلمين، والتأثير البيئي للتكنولوجيا. وبينما تقدم الأدوات الرقمية فرصًا لتعزيز الوصول إلى التعليم عالي الجودة وتقليل استهلاك الموارد، إلا أنها قد تسهم أيضًا في التدهور البيئي نتيجة لإنتاج الأجهزة الإلكترونية والتخلص منها. لذلك، يتطلب الأمر توازناً دقيقاً بين الاستفادة من الابتكارات التكنولوجية وتقليل آثارها البيئية.
شهدت التكنولوجيا في التعليم تطورًا مستمرًا على مر السنين. من بداياتها البسيطة مع أجهزة عرض الشرائح في القرن التاسع عشر، إلى الاعتماد الكبير على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في أواخر القرن العشرين، تطورت الممارسات التعليمية بشكل جذري. بحلول أوائل الألفية الثالثة، أصبحت التكنولوجيا جزءًا لا يتجزأ من التعليم، خاصة في الدول المتقدمة، حيث أظهر تقرير الجمعية الكندية للتعليم أن 97% من المعلمين في كندا لديهم إمكانية الوصول إلى أجهزة الكمبيوتر في الفصول الدراسية.
ومع تزايد الاعتماد على التكنولوجيا، ظهرت تحديات جديدة، مثل الحاجة إلى تدريب المعلمين وضمان المساواة في الوصول إلى الموارد الرقمية. في السنوات الأخيرة، تحول التركيز إلى ضمان أن تكون التكنولوجيا التعليمية متوافقة مع أهداف التنمية المستدامة. وأكدت منظمة اليونسكو على ضرورة اتباع نهج إنساني في استخدام التكنولوجيا لضمان الحوكمة والمساواة والاستدامة.
تلعب التكنولوجيا دورًا أساسيًا في تعزيز التعليم المستدام من خلال تحسين نتائج التعلم وتعزيز المهارات الأساسية للقرن الحادي والعشرين. كما يسهم التعليم الرقمي في تقليل الأثر البيئي، حيث تقلل المنصات الافتراضية من الحاجة إلى التنقل والاعتماد على الموارد التقليدية مثل الورق، مما يساعد في خفض الانبعاثات الكربونية. إضافة إلى ذلك، تتيح الحلول الرقمية الوصول إلى محتوى تعليمي عالي الجودة في المناطق النائية والمحرومة، مما يساهم في تحقيق العدالة التعليمية وتقليص الفجوات بين المجتمعات.
رغم الفرص الكبيرة التي تقدمها التكنولوجيا في التعليم المستدام، فإنها تطرح قضايا أخلاقية وبيئية يجب معالجتها بحذر. على الجهات المعنية تحقيق توازن بين الفوائد والمخاطر، مع التركيز على تعزيز النتائج التعليمية وضمان الاستدامة البيئية. ومع استمرار العالم في السعي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، يبقى التعاون بين المؤسسات التعليمية والمجتمعات وصناع السياسات هو المفتاح لتذليل العقبات وتعزيز ممارسات مستدامة تمكن الأجيال القادمة من مواجهة التحديات العالمية.