أخبار اليوم - في ظل الحرب المتواصلة على قطاع غزة، يبرز اسم الشاب الفلسطيني فضل نبهان كنموذج للإنسانية والتضامن، حيث يكرس جهوده لإنقاذ الحيوانات الأليفة التي تعاني من ظروف قاسية بسبب الحصار وأثار الحرب المتواصلة من 16 شهرًا.
يتجول نبهان بين شوارع مخيمات مخيم النصيرات للاجئين، بحثاً عن القطط والكلاب الضالة والجريحة، التي تآكلت أجسادها كما تآكلت أجساد البشر في غزة نتيجة "حرب الإبادة الإسرائيلية" المستمرة للشهر الخامس عشر على التوالي.
دفعه حبه لتربية الحيوانات والطيور منذ 18 عامًا إلى الاهتمام والاعتناء بها خلال شهور الحرب والعمل على إنقاذها من الأمراض والجوع الشديد الذي يسود القطاع المحاصر إسرائيليًا برًّا وبحرًا وجوًّا.
لا يفتأ بين حين وآخر في البحث عن طعامها المخصص من نوع "براي فود". ورغم نفاد كمياته بعد 458 يومًا من الحرب المستمرة، لجأ إلى استخدام ذات النوع المخصص لإطعام سمك الزينة، الذي نفقت أعداد كبيرة منه طوال أيام الحرب.
ويبلغ ثمن الكيلو الواحد من هذا الطعام نحو 50 شيقلًا (15 دولارًا)، وعادة ما يدفع ثمنه من مصروفه الخاص أو بعض المساعدات الخارجية المهتمة بمبادرته الشخصية.
وسبق أن اضطر، لأسابيع طويلة، لاستخدام "اللحم المعالج/المعلبات" التي تدخل عبر بعض قوافل المساعدات الإنسانية التابعة لمؤسسات أممية أو دولية، كنتيجة للقيود العسكرية الإسرائيلية المشددة على المعابر والمنافذ الحدودية لغزة.
يعتبر "فضل" هذا الأمر من أولويات مهام عمله اليومي وحياته الشخصية، حتى أنه فقد في ملجأ خصصه داخل منزله السكني غرب مخيم النصيرات عشرات القطط والكلاب نتيجة قصف إسرائيلي استهدف حيه السكني.
"لم أترك قطًّا أو كلبًا مريضًا أو أعمى إلا واحتويته داخل ذاك الملجأ الذي ضم نحو 80 قطًّا وكلبًا"، يقول فضل، الذي لا ينسى من ذاكرته "كلبًا أعمى" كان لا يأكل الطعام إلا من يديه حتى نفق في القصف الإسرائيلي.
وإزاء إطالة أمد "حرب الإبادة"، اضطر نبهان للبحث عن هذه القطط والكلاب التي قتلت بقصف إسرائيلي أو نفقت بسبب الجوع الشديد أو الأمراض، أو تفرقت عن أصحابها نتيجة النزوح المتكرر للسكان المدنيين.
ووفقًا لهيئات أممية، فإن الحرب الإسرائيلية المتكررة في غزة تتسبب في دورة لا نهائية من النزوح وتجعل من الصعب، بشكل متزايد، على الناس الحصول على المساعدات الإنسانية التي يحتاجونها للبقاء على قيد الحياة.
لحظة وصوله إلى أماكن تجمع تلك الحيوانات الأليفة، يطلق فضل العديد من الأصوات لجذبها؛ وخلال لحظات، تتجمع حول الطعام الذي اصطحبه من أماكن متفرقة في جنوب القطاع المدمر إسرائيليًا.
ولا يكتفي "هاوي تربية الطيور والحيوانات والزواحف" بإطعامها فقط، بل يتفقد المريضة أو الجريحة نتيجة قصف أو شظايا قذائف إسرائيلية، ويحاول تقديم العلاج المناسب لها.
"لا أحد لهذه الفئة... الإنسان في غزة يصرخ من شدة الجوع والأمراض والقصف"، يتحدث نبهان محتسبًا عمله "صدقة" وتمسكًا بأخلاق الدين الإسلامي.
وكان أكثر ما يزعج الشاب، الذي فقد والدته شهيدة بقصف إسرائيلي، رؤيته لتلك الكلاب والقطط تنهش جثامين الشهداء الملقاة على الأرض، والتي يمنع جيش الاحتلال الطواقم الطبية من الوصول إليها لإنقاذها أو انتشالها.
وحتى رؤية تلك الحيوانات تأكل من أكياس القمامة وتجمعاتها كان "أمرًا مزعجًا" بالنسبة له.
ولذلك، تعدت مبادرة فضل، الذي له من اسمه نصيب، إلى إطعام حيوانات أخرى كالخيول التي نزحت برفقة أصحابها جنوب القطاع، أو الدواب التي أصبحت وسيلة نقل الغزيين بعد انقطاع مصادر الوقود أو ارتفاع ثمنه، وتدمير الاحتلال مئات المركبات العمومية والخاصة.
وليس هذا فحسب، بل يحدد عبر صفحته الشخصية موعدًا محددًا لتجمع أصحاب القطط المنزلية من أجل توزيع الطعام عليهم، وهو الأمر الذي يقابل بالاندهاش من المارة والسرور من أصحاب تلك القطط بعد نفاد طعامها الخاص من المتاجر.
يحلم "الهاوي الغزي" بتوقف "الحرب الشرسة" على القطاع، وإنشاء ملجأ جديد للطيور والقطط والكلاب لرعايتها وإنقاذها بعدما أتت الحرب الإسرائيلية على "كل صغيرة وكبيرة" و"كل نوع وفصيلة نادرة" من هذه الحيوانات التي كانت تعيش آمنة في غزة.
ولا تزال تنتشر في أنحاء غزة، وشمالها خاصة، جثث الحيوانات النافقة والقطط والكلاب الهزيلة التي تبحث عن أي شيء يسد رمقها بين أكوام النفايات، في مشهد يرسم صورة أخرى للمجاعة التي يعيشها أكثر من مليوني إنسان جراء منع جيش الاحتلال وصول المساعدات الغذائية إليهم.