تعرف البورصة اقتصاديا بأنها "مرآة الاقتصاد"، وأول ما ينظر له أي مستثمر أجنبي يتوجه للاستثمار في أي سوق، بغض النظر عن البنية التحتية والتشريعات الاقتصادية المنظمة.
ويوجد دائما ارتباط بين الأداء الاقتصادي لدولة ما ومؤشرات "البورصة" وفقاً للقاعدة الاقتصادية "سوق المال هي مرآة الاقتصاد"، حيث أن أداء البورصة يعكس توقعات المستثمرين تجاه الوضع الاقتصادي، ومؤشرات السوق تعبر بالفعل عن الأداء الاقتصادي، لاسيما وأنها تشمل جميع القطاعات الاقتصادية، وبالتالي ستعبر مؤشراتها سواء صعوداً أو هبوطاً عن قوة الاقتصاد أو ضعفه.
وبالنظر إلى واقع الاقتصاد المحلي، ظهر جليا مستوى التعافي "بمرآته"، بورصة عمان، التي سجلت مؤشراتها أداء إيجابيا خلال عام 2022، وكانت من أفضل ثلاث بورصات عربية رئيسية من حيث أداء المؤشر العام خلال العام 2022، حيث سجل الرقم القياسي العام لأسعار الأسهم المرجح بالأسهم الحرة للبورصة ارتفاعاً وصل إلى 2501 نقطة في نهاية عام 2022 مقارنة مع 2118 نقطة نهاية عام 2021، أي بنسبة ارتفاع تجاوزت 18 بالمئة، محققة مكاسب سنوية هي الأعلى منذ خمسة عشر عاما.
وارتفعت القيمة السوقية للبورصة من 15.3 مليار دينار عام 2021 لتصل لنحو 18 مليار دينار العام الماضي، لتشكل ما نسبته 56 من الناتج المحلي الإجمالي .
وكان حجم التداول العام الماضي نحو 1.9 مليار دينار خلال 248 يوم تداول وبمعدل يومي بلغ 7.7 مليون دينار.
وبلغت الأرباح المتحققة بعد الضريبة (العائدة لمساهمي الشركة) للشركات المدرجة في بورصة عمان لعام 2022 نحو 2.422 مليار دينار مقارنة مع 1.306 مليار دينار لنفس الشركات لعام 2021، أي بارتفاع نسبته 85.5 بالمئة وهي أرباح غير مسبوقة تاريخياً تسجلها هذه الشركات، علماً بأن الأرباح قبل الضريبة لهذه الشركات بلغت 3.349 مليار دينار لعام 2022، مقارنة مع 1.815 مليار دينار لعام 2021، أي بارتفاع نسبته 84.5 بالمئة.
كما بلغت الأرباح الموزعة من قبل الشركات المساهمة العامة المدرجة في بورصة عمان عن العام الماضي نحو 1.048 مليار دينار مقابل 786 مليون دينار العام الذي سبقه.
ومن الناحية القطاعية، بلغت الأرباح بعد الضريبة (العائدة لمساهمي الشركة) لعام 2022 لقطاع الصناعة 1.347 مليار دينار، مقارنة مع 576 مليون دينار لعام 2021، بنسبة ارتفاع بلغت 133.6 بالمئة.
أما بالنسبة لقطاع الخدمات، بلغت الأرباح 242 مليون دينار لعام 2022 مقارنة مع 117.7مليون دينار لعام 2021 أي بنسبة ارتفاع 105.6 بالمئة.
وفيما يتعلق بالقطاع المالي بلغت أرباحه 832.6 مليون دينار لعام 2022 مقارنة مع 611.5 مليون دينار لعام 2021 أي بارتفاع نسبته 36.2 بالمئة.
وجاء التحسن في أداء البورصة وفي أرباح الشركات، في ظل تزايد النشاط التشغيلي لهذه الشركات وظهور مؤشرات بداية التعافي والتحسن في العديد من مؤشرات الاقتصاد الكلي، من حيث زيادة معدلات النمو الاقتصادي ونمو الصادرات وارتفاع الدخل السياحي وحوالات الأردنيين والنمو الكبير في احتياطيات البنك المركزي، والتحسن في أرقام النمو والإشادات من كبرى المؤسسات الاقتصادية العالمية، اضافة إلى إطلاق
الأردن لرؤية التحديث الاقتصادي والبدء في برامجها التنفيذية.
والنتائج الإيجابية التي حققتها معظم الشركات القيادية، ولاسيما قطاعي البنوك والتعدين العام الماضي، تتوافق مع توقعات المستثمرين نحو تحقيق نتائج أفضل للبنوك خلال بقية هذا العام نتيجة عدم اضطرارها لأخذ مخصصات جديدة وانخفاض مخصص التسهيلات الائتمانية إلى 4.6 بالمئة من إجمالي الديون مقارنة مع 5.3 عام 2021، إضافة إلى التوسعات التي قامت بها بعض البنوك واستحواذها على فروع لبنوك في المملكة وخارجها والحصول على تراخيص لفروع خارج المملكة، والمؤشرات الواضحة حول نتائج شركتي الفوسفات والبوتاس وغيرها من شركات التعدين والشركات التي تتعامل بالمواد الخام وتحقيقها نتائج تفوق السنوات الماضية، وذلك نتيجة لارتفاع أسعار المواد الخام عالميًا.
والمؤشر العام تقوده حالة من تفاؤل المستثمرين خصوصا بعد ثباته فوق حاجز المقاومة عند مستوى 2500 وصموده أمام موجة المضاربة وإغلاق المراكز المالية، والتي شهدتها الفترة الماضية اثر انعقاد اجتماعات الهيئة العامة وإعلان الشركات عن توزيعات أرباحها.
وقال وزير المالية الأسبق الدكتور محمد أبو حمور ، لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) إن أداء الشركات المساهمة العامة المدرجة في بورصة عمان لعام 2022، تشير إلى ارتفاع مستوى التزام الشركات بتقديم بياناتها المالية في مواعيدها، ما يؤكد أن هناك توجها واضحا لتعزيز الشفافية والحوكمة الرشيدة في إدارات هذه الشركات.
وأضاف أن تحسن أوضاع الشركات وتحقيق أرباح قياسية يؤكد أن الاقتصاد الأردني تجاوز تداعيات كورونا، واستطاع التأقلم مع تداعيات الحرب الروسية الاوكرانية، موضحا أن هذه النتائج ستنعكس إيجاباً على المساهمين والمستثمرين وخزينة الدولة من خلال زيادة التوزيعات والضرائب.
وقال أبو حمور "من المؤمل أن يتم استثمار جزء من الأرباح في مشروعات توسعة واستثمارات جديدة، ما يعزز النمو ويسهم بتحسين المناخ الاستثماري عموماً"، مؤكدا أن البورصة تعكس الأداء الفعلي للوحدات الاقتصادية المختلفة وتبين مواضع القوة والضعف في الاقتصاد الوطني.
وأضاف أن الصناعة استمرت بقيامها بدور ريادي، ويعود ذلك في جزء منه، لتحسن الأداء الاقتصادي، وكذلك لارتفاع أسعار بعض السلع في أعقاب اندلاع الحرب الروسية الاوكرانية، أما نتائج القطاع المالي فيمكن أن نستشف منها أن أداءها كان متوازناً حتى أثناء الأزمات، لذلك فنسبة النمو في الأرباح وان كانت أقل من القطاعات الأخرى، إلا أنها تعد ذات دلالة عميقة على تحسن الأداء.
بدوره، قال أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأردنية الدكتور رعد التل أن سوق الأوراق المالية يسهم في تفعيل النمو الاقتصادي؛ حيث تؤثر فاعلية السوق وكفاءة أدائه تأثيرا إيجابيا بحجم الاستثمار ونوعيته، ويعد ذلك محددا مهما للنمو الاقتصادي، ومن خلال الدراسة القياسية، ثبت وجود أثر إيجابي ومعنوي للمؤشر العام لأسعار الأسهم في سوق عمان المالي على النمو الاقتصادي الأردني في الأجل الطويل، وهو ما يتوافق والنظرية الاقتصادية باعتبار أن ارتفاع أسعار الأسهم له تأثير إيجابي على الاستثمار الكلي.
وأشار إلى أن التحسن في مؤشرات بورصة مان الفترة الماضية كان مدعوماً بتحسن الشركات المدرجة من خلال تحقيق أرباح صافية كبيرة غير مسبوقة، والذي ليس بمعزل عن التطورات الاقتصادية والتعافي البطيء الذي حدث خلال العامين الماضيين، من ارتفاع الصادرات الوطنية وتسجيل معدلات نمو إيجابية، وارتفاع الدخل السياحي، وارتفاع حوالات الأردنيين في الخارج، إضافة إلى وجود رصيد مريح لإجمالي احتياطيات البنك المركزي من العملات الأجنبية بلغ نحو 17 مليار دولار في نهاية العام 2022.
وأكد التل أن أحد أهم المؤشرات التي تقيس أداء البورصة، هي الرقم القياسي العام لأسعار الأسهم المرجح بالأسهم الحرة، موضحا أن إحدى مميزات هذا الرقم القياسي هي إعطاء تمثيل أفضل لتحركات أسعار الأسهم في السوق، بحيث لا يتحيز بشكل كبير للشركات ذات القيمة السوقية العالية، وبذلك يوفر التنويع في مكونات عينة الرقم القياسي من خلال إعطاء فرصة أكبر للشركات الصغيرة والمتوسطة للتأثير على التحركات.
ولفت إلى أن بورصة عمان، نفذت خلال الفترة الأخيرة، العديد من مشروعات خطتها الاستراتيجية بهدف تطوير الأطر التشريعية والفنية وتعزيز التحول الرقمي في البورصة، بما يعزز المناخ الاستثماري ويزيد من جاذبية البورصة للاستثمارات المحلية والأجنبية، وبما يسهم في تطوير وتعزيز الاقتصاد الوطني وجذب مزيد من الاستثمارات.
ويبقى المطلب الأول والرئيسي للمتعاملين في بورصة عمان للحفاظ ومواصلة التحسن في الأداء هو إيجاد حزمة تحفيزات، وإيجاد تشريعات مرنة وعصرية لتشجيع وتأسيس الاستثمار المؤسسي والمتمثل بإنشاء صناديق الاستثمار المشترك، والذي يسهم بحشد المدخرات والسيولة الفائضة وتوجيهها إلى سوق الأوراق المالية الوطني، وإيجاد قانون وتشريع يشجع على اندماج الشركات المساهمة العامة القائمة لما له من فوائد في زيادة متانة القطاعات وزيادة كفاءتها المالية والإدارية، إضافة إلى تشجيع صناديق البنوك الاستثمارية للدخول في بورصة عمان وضخ مزيد من السيولة.