أ.د. خالد واصف الوزني
أستاذ الاقتصاد والسياسات العامة
كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية
يصدر تقرير وظائف المستقبل 2040 بهوية محورها ثلاث مهارات أساسية وأربع مهارات ناشئة ومتطورة. أمّا المهارات الأساسية فهي مهارات التفكير الناقد، ومهارات القدرة على التصرُّف في المواقف الحرجة، ومهارات الذكاء العاطفي القائم على الشعور التفاعلي عند إدارة عمل الآخرين أو التعامل معهم. أي إنَّ المهارات الأساسية لوظائف المستقبل تتكوَّن من مهارات اتصال وتواصل بالدرجة الأولى. الشهادات وحدها لن تساعد على الوصول إلى أي وظيفة، سواء أكانت وظيفة مكتبية أم مهنية. وظائف المستقبل تعدُّ الشهادة شرطاً قد يكون ضرورياً، ولكنه قطعاً شرطٌ غير كافٍ. بيد أنَّ المهارات المكمِّلة لتحقيق الكفاية لدخول سوق العمل تقوم على ثلاثة محاور، أولها المعرفة الرقمية «الرقمنة»، وثانيها امتلاك اللغات الحية المحورية في مجال العلوم والأبحاث، وثالثها، ولعله الأهم، التمكُّن من الوصول والتواصل مع الآخر، وهذا الأخير يقوم على المهارات الأساسية الثلاث المُشار إليها سابقاً. أمّا المهارات الناشئة أو المتطورة أو التي ستكون أكثر احتياجاً في العقد الرابع من هذا القرن فتقوم على أربعة متطلبات أساسية؛ المتطلب الأول هو القدرة على التعامل مع تطوُّرات الذكاء الاصطناعي. والمتطلَّب الثاني يرتكز على القدرة على قبول التعامل مع الآلة، أو قبول الشراكة مع الآلة المُتعلِّمة وتقاسم العمل، وإنجاز المعاملات والمهام معاً. والمتطلب الثالث يقوم على القدرة على التعامل مع البيانات تحليلاً وتصميماً وهندسةً واستخداماً. أمّا المتطلب الرابع فيكمن في تعلُّم مهارات، ومتطلبات تحقيق الاستدامة في كافة مجالات العمل، وخاصة قطاعات الطاقة والمياه والزراعة والموارد الطبيعية. وفي سياق ما تقدَّم، فإنَّ تقرير مستقبل الوظائف 2040 يستمد كلَّ ما سبق من أربع حقائق أساسية ستتحكَّم في سوق العمل المستقبلي. الحقيقة الأولى أنَّ 50% من الوظائف الحالية والمستقبلية ستكون رقمية، أي تقوم على استخدام وتحليل وتوظيف وتصميم وهندسة البيانات. والحقيقة الثانية أنَّ نحو 85 مليون وظيفة ستختفي نهائياً، إمّا كوظيفة أو كطريقة عمل. أمّا الحقيقة الثالثة والأهم فهي أنَّ نحو 97 مليون وظيفة جديدة ستظهر، وجميعها ستعتمد على المهارات الأربع الناشئة السابق ذكرها: تحليل البيانات، والرقمنة، والذكاء الاصطناعي، والاستدامة. أمّا الحقيقة الرابعة فهي أنَّ عالم الأعمال سيقوم على تقسيم العمل بين الآلة والإنسان، عبر تدخُّلٍ مُهِمٍّ للآلة في العديد من المهام والوظائف.
الشاهد أنَّ التقرير يقول لصنّاع القرار صراحةً أنَّ تجهيز الأجيال القادمة، من المدرسة إلى التعليم ما بعد المدرسي، يجب أن يكون لبناء المعرفة والمهارات التي تؤهِّل للدخول إلى 97 مليون وظيفة جديدة، أي وفق مهارات ومؤهلات معرفية تختلف عمّا يعرفه العالم اليوم، وخلافاً لذلك ستبقى البطالة الهيكلية تعصف بالشباب والخريجين لينتهي بهم الحال بين صفوف الانتظار الدائم، أو الاستقطاب الماكر، أو الإحباط القاتل.