الخرزة الزرقاء

mainThumb
سهم محمد العبادي

04-01-2025 10:40 PM

printIcon


سهم محمد العبادي

الخرزة الزرقاء، هذه القطعة الصغيرة التي تُعلق على السيارات، على الأبواب، على الصدور، وحتى على مكاتب المسؤولين، أصبحت رمزًا قوميًّا في معركتنا اليومية ضد "العين الحسود"!

صحيح أننا بلد يفتخر بمواقفه الصلبة وتاريخه المجيد، لكن يبدو أن الخرزة الزرقاء أصبحت "سلاحًا" جديدًا في ترسانتنا الوطنية، نواجه بها التحديات التي يعجز عنها المنطق.

لو تأملت المشهد، ستجدها تزين مرايا التاكسي، وتعلو مفاتيح المسؤول، وحتى أنها أصبحت جزءًا من "إكسسوارات" توقيع الاتفاقيات. لماذا؟ لأننا شعب يواجه الواقع بخطة محكمة: خرزة زرقاء ومسبحة ودعوة صامتة!

الخرزة الزرقاء ليست مجرد زينة للسيارات والمكاتب، بل اقتحمت البيوت الأردنية لتصبح حاضرة في كل المناسبات. تجدها معلقة فوق مهد الطفل حديث الولادة "عشان ما ينحسد"، وفي يد العروس عند خطبتها "لدرء عين العوانس"، وترافق الناجحين في التوجيهي حتى لو كان معدلهم 56، فالحسد لا يفرق بين معدل مرتفع أو متواضع.

بل وحتى أزماتنا الكبرى، كالبطالة والفقر، قد تحتاج إلى خرزة زرقاء عملاقة تُعلق على سماء الوطن علّها ترد عنا "عين الحاسدين" وتفتح أبواب الفرج!

أمام كل مصيبة، الحل موجود: علق خرزة زرقاء! الاقتصاد في تراجع؟ ضع خرزة على باب البنك المركزي. التعليم يعاني؟ خرزة صغيرة على واجهة وزارة التربية والتعليم كافية لتصحيح المسار. حتى الشوارع، تلك التي تمتلئ بالحفر وكأنها ساحة حرب، يكفي أن نضع خرزة زرقاء على اللوحات الإرشادية لتتحول الحفر إلى طرق سريعة.

هل تعلم أن الخرزة الزرقاء يمكنها حل أزمة الطاقة؟ تخيل لو وضعنا خرزة ضخمة فوق أبراج الكهرباء، كنا سنصبح دولة مُصدرة للطاقة النظيفة، بفضل "بركات" هذه الخرزة. حتى أزمة المياه، كل ما نحتاجه هو خرزة عائمة في سد وادي شعيب، وستتدفق المياه كما لو أننا نقلنا نهر النيل إلى بلادنا.

لكن أكثر ما يثير الضحك المبكي هو اعتقادنا الجماعي أن الخرزة الزرقاء قادرة على حماية كل شيء، إلا الواقع نفسه. نضعها لصد "عين الحساد"، لكننا ننسى أن مشكلاتنا لا تحتاج خرزة، بل تحتاج "عيونًا" ترى، وأيديًا تعمل، وعقولًا تخطط.

الخرزة الزرقاء ليست الحل، هي فقط زينة صغيرة. أما التحديات التي تواجهنا، فلا تحلها إلا إرادة بحجم جبالنا، وعيون تنظر إلى الأمام، لا إلى الخرزة المتدلية من المرآة، وسلامتكم.