د. هديل شقير/دكتوراة في الإعلام السياسي
في فلسطين، حيث تُكتب الحكايات بالدم والدمع، وحيث يُحفر الألم في الذاكرة الجماعية منذ أن بدأ الاحتلال الإسرائيلي اغتصابه الممنهج لاغتصاب الأرض وسحق الإنسان، تتحوّل كل أداة إلى سلاح، وكل صورة إلى صرخة. منذ بدء عملية "طوفان الأقصى"، تقدّمت عدسة كتائب القسام كسلاح مقاومة، توثّق مشاهد الأسرى الإسرائيليين، وتضعها أمام أعين العالم. لم تكن هذه المشاهد مجرد لقطات عابرة، بل رسائل سياسية وإنسانية تحمل في طياتها معانٍ عميقة عن العدالة، الحقوق، والكرامة المهدورة لشعب فلسطين.
على مدار عقود، لم يتوقف الاحتلال الإسرائيلي عن استخدام كل أدواته الإعلامية لتشويه صورة الفلسطيني المقاوم، مُحاولًا قلب الحقائق، لكن اليوم تتبدّل المشاهد. فوفقًا لنظرية التأطير الإعلامي، تُعيد المقاومة صياغة السردية. ليس الاحتلال هنا هو القوي المسيطر، بل هو العاجز، المأخوذ على حين غرة. إن مشاهد الأسرى، بكل ما تحمله من دلالات، هي تجسيد حي لقدرة الفلسطيني على قلب المعادلة، وإعادة تشكيل الوعي العالمي حول طبيعة الصراع.
في ظل واقع تُخنق فيه أصوات الفلسطينيين، تأتي نظرية وضع الأجندة لتُبرز الأهمية الاستراتيجية لهذه المشاهد. إنها ليست مجرد مشاهد تُعرض للاستهلاك الإعلامي، بل أدوات مقاومة تفرض على الاحتلال ومن يُناصره إعادة حساباتهم. تحت ضغط الداخل الإسرائيلي المأزوم، وعيون العالم التي بدأت تُفتح على حقائق القمع الإسرائيلي، يتحول مشهد الأسرى إلى محرك للحدث السياسي.
أما في الوعي الجمعي الفلسطيني، فإن تأثير الغرس الثقافي يبدو واضحًا. عبر هذه المشاهد، تُبنى صورة مقاومة لا تعرف التراجع، تزرع في قلوب الفلسطينيين أملًا يتجدّد بأن قضيتهم لا تزال على الطاولة، وأن المقاومة، رغم المعاناة كلها، قادرة على تحقيق انتصارات.
لكن ربما تكون اللحظة الأكثر تأثيرًا، وفقًا لنظرية الرصاصة السحرية، هي عندما يُعرض وجه الأسير الإسرائيلي أمام الكاميرا. هنا، يصبح التأثير فوريًا، يزرع شعورًا بالاعتزاز في نفس الفلسطيني المقاوم، وبالقلق والخوف في قلب الإسرائيلي المتلقي. إنها لحظة قصيرة، لكنها تحمل ثقل عقود من النضال والصمود.
وهنا، قد يأتي الغربي ليسألني سؤالاً متخفّياً بما يسمى "الأخلاقيات الإعلامية"، هل يحق للفلسطيني، الذي سُلِبت أرضه، وهُجِّر شعبه وقُتل أبناءه، أن يستخدم كل الوسائل، بما فيها الإعلام، لردّ الاعتبار لقضيته؟ الإجابة ليست سهلة، لكن ما هو واضح أن الاحتلال، بكل جرائمه، لم يترك للفلسطينيين خيارًا سوى الكفاح بكل الطرق المتاحة. وهنا أتراجع عن قولي أن الإجابة ليست سهلة، لأقول: الإجابة سهلة للغاية. بل بديهية.. نعم يحقّ للفلسطيني في هذا الصراع أن يفعل ما يشاء لنصرة قضيته.
على هذه الأرض، حيث اختلطت دماء الأجداد بأحلام الأحفاد، وحيث يقف الفلسطيني أعزل أمام آلة الاحتلال، تظل الكاميرا أداة مقاومة بيد أصحاب الحق. إن مشاهد الأسرى التي تعرضها كتائب القسام ليست مجرد لقطات عابرة، بل شهادات حيّة على قدرة الشعب الفلسطيني على مواجهة الظلم بكافة أشكاله. وبينما يستمر الاحتلال في محاولاته لتشويه هذه الصورة، يبقى صوت العدالة الفلسطينية، صوت المظلوم الذي يناضل من أجل أرضه وحريته، هو الحقيقة الوحيدة التي لا يمكن طمسها.