أخبار اليوم - شهد اليوم الأول من العام الجديد 2025 في العراق جرائم مروعة هزّت العاصمة بغداد، في مؤشر على تصاعد العنف المجتمعي وعدم احترام القانون وتردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية والانفلات الأمني وانتشار السلاح الذي يجعل ارتكاب الجرائم أمراً مستساغاً، فضلاً عن الشعور الدائم بإمكانية الإفلات من العقاب.
وذكرت وزارة الداخلية العراقية، الأربعاء، أنّ قوات الشرطة الاتحادية ألقت القبض على 13 شخصاً يشتبه في تورطهم بقتل وإصابة 6 أشخاص في مشاجرة مسلحة شرقي العاصمة بغداد. وأوضحت الوزارة، في بيان، أنّ "المشاجرة تخللها إطلاق نار في منطقة الحسينية ببغداد، وتبين قتل 4 أشخاص وإصابة 2 جراء إطلاق نار بسبب مشاجرة أطفال".
وفجر الأربعاء أيضاً، أعلنت قيادة شرطة الرصافة في بغداد، إلقاء القبض على رجل وامرأة بتهمة قتل عائلة مكونة من 8 أفراد في مدينة الصدر شرق العاصمة بغداد. وذكرت القيادة، في بيان، أنّ "حادث القتل وقع ضمن منطقة مدينة الصدر، وعلى الفور توجهت مفارز قيادة الشرطة إلى محل الحادث وتبين قتل (3) أشخاص (امرأة وطفلتان)، وقُبض على القاتل وزوجته (القاتلة)".
وأكد البيان أنه "لدى تفتيش الدار عثر داخلها على (5) جثث تعود للعائلة نفسها (المجنيّ عليها)، ليُلقى القبض على جميع الموجودين داخلها، ولدى التحقيق معهم اعترفوا بقيامهم باستدراج الضحية وقتلها مع (4) من أطفالها، ومن ثم التوجه إلى دار الضحية وقتل بقية أفراد العائلة المتكونة من (طفلتين وعمتهم) والغرض وجود مبالغ مالية بذمة الضحايا وأيضاً لسرقة الأموال الموجودة داخل بيتها، وأُودِعوا التوقيف لإكمال التحقيق".
جرائم القتل تتصاعد في العراق
وسجّل العراق أعلى معدل لجرائم القتل، خلال العامين الماضيين، بنسبة سنوية تصل إلى أكثر من 11.5 لكل 100 ألف نسمة، وهي الأكبر على مستوى الوطن العربي، كما يؤكّد مختصون. وبحسب الإحصائية التي نُشرت في وقتٍ سابق، في وسائل إعلام محلية، وتستند إلى بيانات جمعتها وزارة الداخلية، فإن نحو 5300 جريمة قتل حصلت في عام واحد.
ويرى مراقبون ونشطاء أنّ أسباب تصاعد الجرائم ترتبط بـ"سوء إدارة الأمن، وضعف التحقيق الجنائي ومنظومة التشريعات العقابية، إضافة إلى الأسباب الطبيعية الأخرى التي تتحملها وزارة الداخلية بالخصوص، وأن هناك حاجة ماسة إلى تحديث العقلية التحقيقية قبل البحث عن طرق العنف، وإعداد خريطة الجرائم الجنائية بدلاً من زيادة أفراد الأمن غير المجدية".
وقال عضو اللجنة القانونية في البرلمان العراقي محمد عنوز، إنّ "الجرائم التي تحدث في العراق، تأخذ طابع العنف غير الاعتيادي، وتمثل تحدياً لفرض قوة القانون، ولا سيما أن الحلول الاجتماعية أحياناً تمنع من معاقبة المسيئين والمتجاوزين"، مبيناً لـ"العربي الجديد" أنّ "العراق يتحوّل تدريجياً إلى حالة تستوعب ارتكاب الجرائم، وأن تصاعد أعدادها وتعدد أشكالها، يشيران إلى حالة غير مريحة في المستقبل، فضلاً عن استمرار تفلت السلاح وعدم حصره بيد الدولة".
وأضاف عنوز أن "التأثيرات السلبية للوضع السياسي والأمني والاقتصادي المتردي، بالإضافة إلى تراجع مستوى التعليم، وتصاعد معدلات تعاطي المخدرات، كلها أسباب تؤدي إلى ارتفاع معدلات الجرائم، كذلك إن عدم الثقة بالقانون حلاً لفضّ النزاعات والمشاكل الاجتماعية، يؤدي أيضاً إلى اعتماد الحلول غير القانونية، وبالتالي يرتبك الوضع الاجتماعي والأمني"، مشيراً إلى أنّ "السلطات العراقية لا بد أن تواصل عملية التوعية القانونية وأهمية اللجوء إلى القانون، يتزامن مع ذلك مواصلة وتكثيف حملة حصر السلاح بيد الدولة".
من جهته، قال ضابط من قيادة شرطة بغداد إنّ "أبرز سبب يدفع إلى ارتكاب الجرائم في المدن العراقية، تعاطي المخدرات، وتحديداً مادة الكريستال التي تجعل العقل البشري في هلوسة دائمة وتدفعه إلى حالات عنيفة وغير مألوفة، وهذا ما يظهر لنا عادة في التحقيقات الأولية أو التقصي عن الدوافع"، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أنّ "الجرائم كلها تعود إلى أسباب محددة، تبدأ بالمخدرات التي انتشرت كثيراً خلال السنوات الأخيرة، والأسباب التي لم تعالج من قبل السلطات، وهي البطالة والحالة الاقتصادية السيئة، بالإضافة إلى الاستهتار في استخدام السلاح المنفلت".
من جانبها، بيَّنت الناشطة العراقية علياء هادي، أن "الإحساس بالإفلات من العقاب يدفع إلى استسهال ارتكاب الجرائم، وأن الحلول العشائرية والضغوط على الضحايا أو ذويهم عادة ما يدفع إلى التنازل عن الحقوق القانونية، بالتالي يفلت الجاني أو مرتكب الجريمة من العقاب، وهذا الأمر يؤدي بالضرورة إلى خلق حالة من عدم احترام الدولة والقانون"، معتبرة في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أنّ "إنفاذ القانون على الجميع هو الحل، وسحب الأسلحة من أيدي العراقيين، وتوفير فرص العمل، وتمكين قطاعات الترفيه مع منع المخدرات، كلها ستؤدي إلى تقليل معدلات الجريمة في العراق".
أما الخبير الأمني العراقي أحمد الشريفي، فقد لفت إلى أن "الجرائم انعكاس لحالة الانفلات الأمني، وعدم الخوف من العقاب من قبل مرتكبيها، يجعل العراق يتحول إلى مساحة آمنة للقتلة الذين لا يخشون العقوبة، وهذا أيضاً انعكاس لحقب من الفشل في احتواء المواطن العراقي وسنوات الفوضى وسوء الإدارة للحكومات التي أعقبت الاحتلال الأميركي للبلاد"، موضحاً لـ"العربي الجديد" أن "الجرائم تحصل في كل العالم، لكن ما يحصل في العراق يمثل تحدياً للقانون الذي من المفترض أن يكون أقوى من الجميع، لذلك نحن ندعم التوجه نحوه لحل النزاعات، وحتى يحصل كل عراقي على حقه وعدم اللجوء إلى العنف".