جوع ومرض وصقيع .. وجهٌ آخر للموت في خيام النَّازحين

mainThumb
جوع ومرض وصقيع.. وجهٌ آخر للموت في خيام النَّازحين

31-12-2024 06:25 PM

printIcon

أخبار اليوم - بعد ليلة من الصقيع اجتاحت خيمتها و"عظامها" على شاطئ بحر القرارة، بدت المسنة النازحة من غزة نوال أبو عصر كمن يطارد أشعة الشمس الباهتة على أمل أن يتسلل إليها شيء من دفء تفتقر إليه في ذروة فصل الشتاء.

وهذا الصقيع أودى بحياة أربعة أطفال حديثي الولادة خلال 72 ساعة، إلى جانب الحكيم أحمد الزهارنة الذي عثر على جثته داخل خيمته في منطقة المواصي غربي مدينة خانيونس، وفق بيانات وزارة الصحة أخيرا.

شظف العيش

وتفترش نوال (65 عاما) الأرض وتلتحف السماء في خيمة يدوية نصبها زوجها المسن قرب البحر، بمنطقة "المواصي" التي يزعم الاحتلال الإسرائيلي أنها "آمنة" في خضم حرب الإبادة الجماعية المستمرة منذ السابع من أكتوبر 2023.

"نرتجف طوال الليل، لا نعرف النوم، وليست لدينا أغطية ولا فراش، والحشرات تخرج لنا من الأرض وتحيط بنا..."، بالكاد تستطيع نوال في حديثها مع صحيفة "فلسطين" التعبير عن الأسى الذي تئن من مرارته.

وتواجه خيمتها المهترئة خطر التمزق أو الانزياح مع شدة الرياح العاصفة، وعلى وقع هدير الأمواج العالية.

ومع منع الاحتلال الإسرائيلي دخول معظم المساعدات إلى قطاع غزة وحمايته عصابات من اللصوص لنهبها في أماكن تواجده، وفق بيانات أممية، فإن نوال كحال السواد الأعظم من النازحين محرومة من الحصول على خيمة أو غذاء أو حتى دواء.

تقول المسنة: "لم نحصل على خيام جاهزة، زوجي أحضر الخشب وأقام لنا خيمة، نخشى طوال الليل أن نجد أنفسنا وقد انجرفنا إلى البحر وغرقنا".

ومنذ خمسة أشهر نزحت مع عائلتها مجددا قادمة من رفح إلى هذه المنطقة المكتظة بمئات الآلاف من النازحين الذين شردهم الاحتلال من بيوتهم ودمر معظمها.

ويرافقها في محطات النزوح زوجها وعائلتهما الممتدة المكونة من أبنائهما وأحفادهما.

ويتسبب الصقيع بظهور أعراض الإسهال والاستفراغ على نوال وعدد من أفراد عائلتها.

ويرافق ذلك انعدام القدرة الشرائية للملابس الشحيحة وباهظة الثمن في ظل الحصار المشدد للقطاع، واستمرار حرب الإبادة الجماعية.

لكن الصقيع ليس وحده ما "يأكل" أجساد نوال وأفراد عائلتها، فهي تعاني من أمراض الضغط والسكر والخشونة في القدمين.

تصف حالها بأنه "صعب جدا، مع شح أو عدم توفر علاجات الضغط والسكر".

كما أنها تنتظر فرصة لإجراء عملية جراحية في الرحم، بناء على توجيهات الأطباء.

ويجتمع مع ذلك سوء التغذية الناجم عن حرب التعطيش والتجويع ضد الغزيين منذ أكثر من سنة.

بنبرة مرتعشة، تضيف نوال النازحة أصلا من حي الشجاعية شرق غزة: "لا عمل، ولا غذاء، ولا علاج، ولا مساعدات، ولا مال... ماذا نفعل؟".

ومع مطالبتها بحقها في العودة إلى منطقة سكنها في الحي، فإنها ستكون أمام مهمة إعادة بناء بيتها من الصفر بعد أن جرفه الاحتلال.

وتشهد هذه الأيام تحذيرات وبيانات دولية متتالية إزاء تبعات الصقيع وشح الغذاء على النازحين في قطاع غزة. وينجم ذلك عن الاحتلال الإسرائيلي لمعبر رفح منذ مايو/أيار، وتحكمه ببوابات غزة مع بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ومن ذلك تحذير وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أونروا من أن أطفال غزة يتجمدون حتى الموت بسبب البرد ونقص المأوى، مضيفة أن الأغطية والإمدادات الشتوية ظلت عالقة منذ أشهر في انتظار الموافقة على دخولها إلى غزة.

وكذلك تحذير برنامج الأغذية العالمي من أن الجوع ينتشر في كل غزة مع عدم تمكنه من جلب "سوى ثلث" المواد الغذائية التي يحتاجها سكان القطاع.

وتظهر بيانات أممية أن نسبة سكان غزة الذين تستطيع منظمات الأمم المتحدة تقديم مساعدات لهم وصلت إلى 29% انخفاضا من 70% في أبريل/نيسان الماضي.

هموم مركبة

وأمام خيمة أخرى قرب شاطئ البحر، يتبادل النازح خالد أحمد (57 عاما) مع عدد من النازحين همومهم، التي يأتي الصقيع في مقدمتها.
وأحمد هو نازح قسرا من شرق القرارة، وقد انتشل من تحت أنقاض بيته الذي دمره الاحتلال في مارس/آذار بغارة مباغتة أدت إلى استشهاد خمسة أفراد من عائلته.

وتقيم في خيمته البسيطة أيضا زوجته المصابة من جراء الغارة ذاتها.

ويقول أحمد لـ"فلسطين"، إنه لم يحصل هو الآخر على خيمة جاهزة أو شوادر أو مساعدات من الجهات الدولية.

وعن أوضاعهم في الخيمة، يوضح أنه ينتابه وعائلته الشعور بأنهم "سيطيرون مع الرياح" وشدة البرد، متسائلا: "ما الذي سيمنحنا الدفء؟ هل هي بطانية؟ ألا نحتاج وسائد وبساطا وخياما؟".

ويعاني أحمد من مرضي السكر والضغط، ما يفتح أمامه بابا جديدا من أبواب المعاناة يشرحه بقوله: "إذا وجدنا نوعا من الدواء لا نجد الآخر، وهكذا دواليك".

ويضعف من مناعته وقدرته على مواجهة البرد شح الغذاء، وعدم مقدرته على شراء ما قد يتوفر منه.

ويعبر بمثل شعبي عن معاناته بسبب حرب الإبادة، قائلا: إنه "موت وخربان ديار".

هي جرائم تفضي إلى الموت يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بأسلحة "صامتة" تفتك بالنازحين كالتجويع والحرمان من العلاج والمأوى، ويخشى كل نازح لا سيما من الفئات الضعيفة أن يكون الضحية التالية لها.

المصدر / فلسطين أون لاين