سيلاً: رضيعة فلسطينيَّة تفارق الحياة داخل خيمة بلا دفء

mainThumb
سيلاً: رضيعة فلسطينيَّة تفارق الحياة داخل خيمة بلا دفء

25-12-2024 06:28 PM

printIcon

أخبار اليوم - في خيمة مهترئة، وقماش بال، لا تبعد سوى ثلاثين مترًا عن مياه البحر على شاطئ بحر محافظة خان يونس وفقر ينهش حياة العائلة، لم يتحمَّل جسد الرَّضيعة "سيلاً" الَّتي لم يتجاوز عمرها عن أسبوعين واقعًا لم تجد فيه إلَّا دفء والديها اللَّذين وقفا عاجزين بلا مقوِّمات حياة لتوفير بيئة تحميها من المطر ومياه البحر والرِّياح الشَّديد والبرد القارس.

السَّاعة الخامسة من فجر اليوم الأربعاء، شعرت أمُّها بعدم وجود حركة على جسد الرَّضيعة عندما حاولت إرضاعها، ووجدتها بجسد متصلِّب ولون جلد تغيُّر إلى الأزرق، تخرَّج لسانها للأمام مع وجود قطرات دماء على حافَّة فمها.

بقلب مرتعش من الخوف والقلق تحسَّست قلب طفلتها الرَّضيعة والَّذي كان ساكنًا بلا نبض، لتتأكَّد أنَّها توفِّيت من شدَّة البرد القارس مع دخول فترة "الأربعينيَّة" من فصل الشِّتاء، فحملها والدها نحو المشفى يحمل بصيص أمل ضعيف بإمكانيَّة أن تكون حيَّةً.

شبح البرد

"كان جسدها متجمدًا مثل لوح الخشب، ماتت من البرد، عاشت بخيمة مهترئة وحياة صعبة" بكلمات مليئة بالعتاب لظروف قاسية يحمل محمود الفصيح طفلته الرضيعة "سيلا" بساحة مستشفى ناصر بمحافظة خان يونس، متوجهًا لدفنها بعد وفاتها وانتهاء تشخيص الأطباء لسبب الوفاة.

لم تكن سيلا إلا واحدة من عدة حالات لأطفال رضع تجمدت أجسادهم الصغيرة بسبب البرد القارس، والعيش بخيام حولها الشتاء إلى ثلاجات، وتجسد واقعًا صعبًا يعيشه الأطفال في قطاع غزة مع انعدام الغذاء وظهور علامات سوء تغذية، واهتراء الخيام وعجزها عن توفير الدفء أمام البرد والرياح الشديد، ما يهدد بموت أطفال آخرين.

يتدفق الألم من قلبه، وهو يحمل طفلته نحو المقبرة، يحكي لـصحيفة "فلسطين" ما جرى وهو يلامس جسدها: "ولدت سيلا بوضع طبيعي ووزنها كان جيدا بنحو 3 كيلو غرام، ونامت بشكل طبيعي، ولم تظهر علامات مرض عليها".

"الساعة الخامسة فجرا استيقظنا وكانت مثل لوح الخشب تعض لسانها، عرضتها على المستشفى البريطاني فأخبروني أنه مضى على وفاتها ساعة من آثار البرد، وهذا نفس التشخيص بمستشفى ناصر، وفي تشخيص الطبيب الشرعي حدد أن مخاطا نتيجة البرد سبب انتفاخا بالكبد مما تسبب بوفاتها" يروي.

وأضاف بكلمات مغلفة بالعتاب يعرض صورة أخرى للمعاناة: "حاولت أحميها من البرد لكني لم أستطع، فأنا متعطل عن العمل، حتى ملابسها استعرناها من الجيران والتي ترتديهم تعود لمولود ذكر، تنام بيننا ولم نوفر لها سريرا خاصًا يناسب وضعها كرضيعة، الأغطية غير كافية، وخيمتنا تبعد عن مياه الشاطئ 30 مترًا والهواء والبرد شديدين".

وحال الفصيح هو حال تعيشه آلاف العائلات مع دخول حرب الإبادة على غزة عامها الثاني، ونفاد المواد الغذائية والتموينية، وإدخال كميات قليلة من المساعدات لا تسد 5% من الاحتياجات، فضلا عن تكرار النزوح، والاعتماد على وجبات غذاء "غير مشبعة".

ولم تتوقف مخاوف الفصيح عند فقدان "سيلا" بل يخشى على شقيقيها ريان (4 أعوام) ونهاد (عامان)، يتابع بملامح يرسم القلق خطوطه عليها: "نحن الكبار لا نتحمل ما نمر به من برد قارس، فخيمتنا لا تصلح للحياة وعندما تمطر الغيوم تغرق الخيم وتنتقل بداخلها من زاوية إلى أخرى أو نذهب للاحتماء بخيام الجيران".

ولا تنتهي المعاناة على شاطئ البحر، فالمياه تتدفق بين مدر وجزر بشكل مستمر، وصوت البحر يرعب الأطفال مع ساعات المساء، وتغرق أمواجه العاتية خيام النازحين المنتشرين على الشاطئ، ويعلو منسوبها خاصة مع المنخفضات الجوية، فتصبح حياة الأطفال مهددة مع دخول المياه للخيام، إضافة لغرقها من مياه المطر.

حياة بائسة

عن فقر ينهش حياتهم، يمتلئ صوته بالقهر قائلاً: "أعيش بوضع صعب، والله وحده يعلم بحالنا، الآن أخشى على أخوتها ولا أعرف كيف سأحميهم من البرد، فنحن في بداية الشتاء وأول "الأربعينية" ولم أملك مقومات حياة لتوفير حماية للخيمة، كما أنني لا أستطيع الانتقال لمكان آخر".

على مدار أسبوعين من قدوم "سيلا" اعتمدت أمها وبسبب نقص الغذاء على إرضاع طفلتها بالحليب الصناعي، وهذا جرى توفيره بصعوبة وبتبرع من "أهل خير"، يكمل: "كانت الرضاعة الطبيعية بسبب قلة الغذاء منعدمة، لم اشترِ لها الحليب الصناعي ولا حتى الحافظات".

وجعه يتحول لكلمات ممزوجة بالحسرة: "حرمت طفلتي من أي مقومات كباقي الأطفال، كنا سعداء بقدومها لأنها مسحت بعضا من أحزاننا، حتى أخوتها يفتقرون للدفء وللحياة والأمراض الصدرية كالأنفلونزا، فنحن نعتمد في غذائنا فقط على طعام التكيات، حتى صاحب التكية ومن شدة صعوبة وضعنا بدأ بزيادة حصتنا".

قبل نزوحه لمنطقة المواصي غرب خان يونس عاش الفصيح بين عائلته وأهله بمحافظة رفح بوضع معيشي "أفضل حالا" عن ما يعيشه حاليا، لكن مع تفرق العائلة بين محافظات وسط وجنوب القطاع، يعيش بعيدًا عن عائلته مما فاقم حالته المعيشية مع عدم قدرته على توفير فرصة عمل.

"نفسي ألبس ترنق زي العالم، ما قدرت أجيب لمرتي أكل زي الناس لما وضعت مولدتها" هذا الواقع الصعب الذي يعيشه الفصيح، لم يكن كذلك قبل الحرب فكان يعمل سائق أجرة، وكذلك يمارس مهنة الصيد مع عائلته.

تحولت ملابس الطفلة إلى كفن وارتها به عائلتها الثرى، لم تدم فرحة والديها بقدومها أكثر من أسبوعين، حتى هذه الفرحة بقيت مكسورة بسبب الفقر والظروف الصعبة التي تمر بها العائلة.