الطفيلة: عائلة تمضي 10 سنوات بين خيمة ومغارة

mainThumb
الطفيلة: عائلة تمضي 10 سنوات بين خيمة ومغارة

12-12-2024 09:37 AM

printIcon

أخبار اليوم - في قلب محافظة الطفيلة؛ وعلى امتداد أرض جرداء قاسية تشحّ فيها الموارد، تعيش عائلة صغيرة داخل خيمة مهترئة، عائلة تتكون من أب وأم وثلاثة أطفال لم يتجاوزوا عتبة الطفولة المبكرة.

هذا المشهد واقع يتكرر كل صباح ومساء، حيث تتراكم المعاناة في صور متتالية، فالطعام شحيح، وماء الشرب ذو لون رمادي، فيما يحمل الهواء رائحة العزلة والخوف، فكل شيء داخل تلك الخيمة البالية يدفع المرء للسؤال عن سر هذا الصمت الثقيل الذي يغلّف حياة هذه الأسرة، وكيف أمكن لهم الصمود لأكثر من عشرة أعوام على هذه الحال.

خلال هذا العقد من الزمن؛ عاش الأطفال في هذه الخيمة دون أن يحتكّوا خلاله بأي إنسان خارج حدودها، وكأنهم في عالم منفصل، عالم تحكمه هواجس الأب وسعيه المستمر لإيجاد ما يبقيهم على قيد الحياة.

في الصيف؛ عندما تشتدّ حرارة الشمس وتلسع الرمال حواف الخيمة، لا تملك عائلة «أبو شهم» سوى الاحتماء بقطعة قماش رقيقة، تتخللها الريح وتحمل معها الغبار والرمضاء، وبالقرب منها تلوح أحياناً عيون وحوش مفترسة وكلاب ضالة تتربص في الظلام، أما في الشتاء؛ وعندما ينهمر المطر وتلسع الرياح وجوههم، يلوذون بـ"مغارة» بجانب من الخيمة، جوف صخرة مظلمة وباردة لا تكاد تقيهم من قسوة الطبيعة، حيث يتكرّر هذا المشهد مع كل تغيّر في الفصول.

الوالد سليمان يحاول منذ سنوات طويلة أن يجمع ما تيسّر من المال ليؤمن أدنى متطلبات الحياة، يعيش على بقايا دنانير -بحسب قوله- ومحاولا بهذه البقايا أن يؤمن فتات الخبز والمياه، وقليل من الاحتياجات التي لا تكاد تغطي حاجتهم ليوم واحد، ورغم ذلك؛ يحاول أن يبقي رأسه مرفوعاً أمام أطفاله.

يقول سليمان إنه يأمل الحصول على «كرفان» يضمن لهم استقراراً بسيطاً بعيداً عن تقلبات الطبيعة وحشراتها وكلابها البريّة، موضحاً أن الانتقال من الخيمة التي قضوا فيها أعواماً طويلة إلى كرفان صغير من شأنه أن يخفف عنهم وطأة الحر والبرد، ويؤمن لهم سقفاً أكثر قوة من تلك الخيمة.

وأضاف بنبرة ممزوجة بالحسرة والرجاء برغبته في إلحاق طفله الأكبر بالروضة، فهو حلم لطالما حلم به، لكنه بالنسبة لهم بمثابة فسحة ضوء، ويريد لطفله أن يختبر يوماً ما حضور الأطفال الآخرين وأن يتعلّم أبجديات الحياة خارج حدود الخيمة، مؤكدا على ضرورة سداد ديونه التي تراكمت عليه على مدى السنوات الماضية، فهذه الأعباء المالية تثقل كاهله وتسرق ما تبقى من هدوءه،

أما الطفل؛ فقد أدهشته زيارة مندوب الجريدة، ولم يطلب شيئاً كبيراً، سوى أنه أراد من هذا الغريب الذي اقترب منه أن يفتح له حبة البسكويت التي لم يعرف كيف يتعامل معها، حيث طلب منه ذلك وهو يلتفت بعينين ترتجفان نحو مجموعة من الكلاب المتربصة قريباً من الخيمة.

وأما الأم؛ فإنها تحاول هي الأخرى أن تصنع من الهدوء المخيف ركيزة للاحتفاظ باتزانها النفسي، فتداعب وجه أطفالها المتسخ بالغبار، وتمرّر أصابعها على شعرهم المتلبد، وتهمس لهم بحكايات قديمة عن بيت من طوب وحجر، بيت يقيهم الحر والبرد ويمنحهم مكاناً يليق بالبشر.

من جانبه قال مدير تنمية منطقة الطفيلة طارق رفوع إن التعامل مع هذا النوع من الاسر يتم من خلال تشكيل لجنة خاصة بدراسة اوضاعها المعيشية والاقتصادية داخل الخيمة او موقع السكن، وذلك ليصار الى تقديم المعونات الطارئة حسب توصيات الدراسة.

عندما زارتهم «الرأي» وجدت الطبيعة حولهم تقسو بلا رحمة، ففي الليل يخشون زحف الثعابين والحشرات نحوهم، وفي النهار يتمنون لو يستطيعون الفرار من جحيم الحرارة، حيث يخترعون لأنفسهم عوالم خيالية يتسللون إليها عبر حكايات الأم وذكريات الأب.

أكبر طموحاتهم اليوم ليست أشياء كبيرة كما قد يظن البعض، ولا يحلمون بمظاهر الرفاهية، بل غايتهم بيت بسيط من الطوب أو «كرفان» فيه باب متين يمنع تسلل الكلاب والزواحف، وسقف يحميهم من المطر، وجدران تحول بينهم وبين الرياح.

هذه هي الحكاية التي تستحق أن تُروى، ليست لأجل استدرار العطف، بل لتذكير الجميع بأن في زوايا هذه الأرض أناس يكافحون من أجل استمرار الحياة بأدنى مقوماتها.

الرأي