سهم محمد العبادي
في كلمة استثنائية أمام مجلس النواب، قدم النائب صالح العرموطي خطابًا سياسيًا لافتًا حمل رؤية وطنية شاملة تمزج بين الواقعية والمسؤولية، مشددًا على ضرورة تعزيز الشراكة الوطنية بين مختلف مكونات الدولة الأردنية. العرموطي لم يكتفِ بالتعبير عن مواقف حزبه، بل طرح رسائل سياسية تتقاطع بوضوح مع الرؤى الرسمية والشعبية، مؤكدًا أن التعاون بين الحكومة والحركة الإسلامية يمثل قوة إضافية للوطن في مواجهة التحديات المتزايدة.
العرموطي استهل خطابه بالإشارة إلى الشرعية الشعبية التي حظي بها حزبه، حيث أكد حصول حزب جبهة العمل الإسلامي على 30 ألف صوت في دائرته الانتخابية، وهو رقم يضع الحزب في مقدمة القوائم الحزبية على مستوى الأردن. هذه الإشارة لم تكن مجرد استعراض للنجاح الانتخابي، بل رسالة سياسية واضحة بأن الحزب يتمتع بقاعدة جماهيرية واسعة تمنحه شرعية قوية في طرح رؤيته والمشاركة في رسم السياسات الوطنية.
ما يميز خطاب العرموطي هو تقاطعه مع تطلعات الشعب ورؤية الدولة في آنٍ واحد. دعوته للحكومة إلى "مد اليد للحركة الإسلامية" جاءت كرسالة وطنية تدعو للتكاتف وتعزيز الحوار، معتبرًا أن تجاوز الأزمات الاقتصادية والسياسية الراهنة يتطلب توحيد الجهود والعمل المشترك بين الجميع. هذه الدعوة تعكس إدراكًا عميقًا للمخاطر التي قد تنجم عن إقصاء أي طرف سياسي، خاصة في ظل الظروف الإقليمية المعقدة والضغوط الداخلية.
العرموطي لم يغفل البُعد القومي في خطابه، حيث وجه تحية إجلال للمقاومة الفلسطينية وصمود الشعب الفلسطيني، مشددًا على أن القضية الفلسطينية تبقى محورًا أساسيًا للأردن. هذا الموقف ينسجم مع الموقف الرسمي الأردني الراسخ تجاه حماية الحقوق الفلسطينية، كما يعكس تطلعات الشعب الأردني الداعم للقضية. إشادته بالمقاومة الفلسطينية ليست فقط موقفًا سياسيًا، بل هي تأكيد على أن الأردن، شعبًا وقيادة، يظل ملتزمًا بالقضايا القومية الكبرى.
في سياق خطابه، أكد العرموطي أن الحركة الإسلامية ليست طرفًا معارضًا تقليديًا يسعى للصدام، بل هي شريك وطني ملتزم بالثوابت الدستورية والقانونية. هذا التأكيد يأتي في إطار حرصه على تعزيز الثقة بين الحركة الإسلامية ومكونات الدولة، وتقديمها كطرف بناء يسعى لتقديم الحلول بدلًا من افتعال الأزمات.
خطاب العرموطي لم يكن مجرد استعراض لمواقف حزبية، بل جاء محملًا برسائل استراتيجية تدعو لإعادة صياغة العلاقة بين الحكومة والقوى السياسية على أسس جديدة تضمن تعزيز الاستقرار الداخلي. دعوته للتعاون والحوار تعكس قناعة بأن الشراكة الوطنية هي الخيار الوحيد لمواجهة التحديات الكبرى، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية.
ولعل الرسائل التي حملها خطاب العرموطي تضع أساسًا يمكن البناء عليه لتوحيد الجهود والعمل البرلماني بما يخدم مصلحة الجميع. فتح قنوات للحوار والتفاهم بين الكتل البرلمانية والحكومة سيعزز من قدرة المجلس على تحقيق تطلعات الشعب الأردني ومواجهة التحديات بروح الفريق الواحد. هذه الرسائل، إذا تم استثمارها بشكل صحيح، قد تفتح آفاقًا جديدة لتطوير العمل السياسي البرلماني وتحقيق إنجازات ملموسة تلبي طموحات الوطن والمواطن.
بهذه الكلمات، أظهر العرموطي وعيًا عميقًا بحجم التحديات التي يواجهها الأردن، وقدم رؤية وطنية تفتح المجال لحوار بناء بين مختلف الأطراف. خطابه يمثل نداءً صادقًا لتحقيق التآزر الوطني، معتمدًا على تقاطعات واضحة بين مصالح الشعب والرؤية الرسمية، بما يعزز من قوة الدولة ومنعتها في مواجهة أزمات الحاضر وتحديات المستقبل.