أخبار اليوم - لم يكن مفاجئا إعلان وزير المالية "الإسرائيلي" المتطرف بتسلئيل سموتريتش، إعطاء تعليماته لإدارة الاستيطان والإدارة المدنية (تتبعان وزارة جيش الاحتلال) للبدء بإعداد البنية التحتية اللازمة لتطبيق "السيادة" على الضفة الغربية. والحقيقة أنّ ما يجري على أرض الواقع منذ حتى قبل بدء حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة يدلل على أن الاحتلال يعمل لتحقيق ذلك بسياسات ممنهجة.
يؤكد الدكتور علاء الأعور الخبير في الشؤون "الإسرائيلية"، أن موضوع ضم الضفة الغربية لم يكن وليد الصدقة ولا وليد اللحظة، هو قرار اتخذه حزب الصهيونية الدينية الذي ينتمي اليه سموترتيش في العام الماضي في غربي القدس المحتلة.
وفي تغريدة على منصة "إكس" قال سموتريتش إن 2025 سيكون "عام السيادة الإسرائيلية" على "يهودا والسامرة" وهو الاسم الذي تطلقه إسرائيل على الضفة الغربية.
وبعد ساعات من تصريحات سموتريتش، نقلت هيئة البث "الإسرائيلية"، عن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو تأكيده -بمحادثات مغلقة خلال الأيام الماضية- ضرورة إعادة قضية "ضم" الضفة الغربية لجدول أعمال حكومته عند تسلم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب مهامه في 20 يناير/كانون الثاني المقبل.
ونقلت الهيئة عن "مقربين من نتنياهو" قولهم إن خطط ضم الضفة الغربية "لإسرائيل" موجودة بالفعل، وعملت عليها إسرائيل منذ عام 2020 خلال الولاية الرئاسية الأولى لترامب كجزء مما تسمى بصفقة القرن.
ويوضح الخبير الأعور أنه وفقا للقانون "الإسرائيلي" فإن الضفة الغربية والأراضي الفلسطينية المحتلة (منذ عام 1967) هي أراض متنازع عليها، وبالتالي "إسرائيل" لا تملك حق السيادة على الضفة الغربية وفقا للقانون "الإسرائيلي"، ومن هنا تأتي مساعي الاحتلال لتغيير ذلك.
فوز ترامب
لكن يبدو أن فوز ترامب -وفق الأعور- قد حرك شهية سموترتيش اعتقادا منه أن فوز الاول بالرئاسة الاميركية سوف يساهم في تحقيق هدف الوزير المتطرف.
وينبه إلى أن الضم الذي يسعى له سموتيرتش هو السيطرة على الأرض في الضفة وإنهاء الحكم العسكري بالضفة الغربية وتحويلها تحت السيادة "الإسرائيلية" المدنية التي تشرف عليها حكومة نتنياهو.
ويبين أن ذلك لا يشمل ذلك ضم السكان الفلسطينيين. بمعنى أن الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة لن يحصلوا على حق المواطنة "الإسرائيلية"، بل سيبقون في كانتونات منعزلة يفصلها الجدار الفاصل، ويعزلها كذلك ٦٠٠ حاجز عسكري للاحتلال في الضفة الغربية.
وأمام هذه الرؤية؛ فإن أمام المواطنين الفلسطينيين ثلاثة خيارات وفق الأعور: إما أن يقتلوا، وإما أن يقبلوا بالاحتلال، وإما أن يغادروا ويهاجروا.
ولمخطط الضم تأثير مباشر على السلطة الفلسطينية، وهو يؤدي إلى انهيار السلطة، وإنهاء الوجود السياسي للسلطة، وإنهاء وجود القيادة الفلسطينية في المقاطعة. ولاحقا سيؤدي ذلك لانهيار الاقتصاد الفلسطيني بالكامل وانهيار السلطة، والإعلان رسميا بقانون في الكنيست إلغاء اتفاقية أوسلو، وفق تقدير الأعور.
مشروع مصيره الفشل
ومع ذلك، يعتقد الأعور أن هذا المشروع فاشل لأنه يتناقض مع الحقائق على الأرض، إذ هناك ٣ مليون فلسطيني، ومساحة ٦٠٠٠ كيلو متر مربع.
وقال: هذه المساحة الكلية التي تمتلك من أهمية الجغرافيا السياسية ربما تشكل تحديا كبيرا لسموترتيش، وهي أن جبال رام الله تبعد حوالي ٤ كيلو عن مطار بن غوريون، وطولكرم التي تبعد حوالي كيلو متر عن كفار سابا، هذه تمنح الضفة الغربية البعد الجيوسياسي، والتي ربما تشكل خطرا كبيرا على "إسرائيل".
وفي تقدير الخبير الأعور؛ فإن مشروع سموترتيش فاشل ولد ميتا لمجموعة من الحقائق على الأرض: أهمها أن المقاومة في الضفة الغربية ما زالت موجودة، وأن المقاومة في جنين ونابلس والخليل ورام الله وبيت لحم وفي كل مدن وقرى ومخيمات الضفة.
وقال: المقاومة ما زالت مشتعلة في مخيمات نور شمس وبلاطة والفارعة والعروب وقلنديا ومخيم جنين، وبالتالي الشعب الفلسطيني سيقود المرحلة القادمة على اعتبار أن سموترتيش سوف يبدأ بانهيار السلطة الفلسطينية والقضاء على قيادتها في رام الله، وبالتالي الشعب الفلسطيني هو من سيتسلم زمام المبادرة، وربما نشهد انتفاضة ثالثة في الضفة.
ونبه إلى أن الضفة الغربية تعيش في حالة بركان، وهي على شفا انفجار كامل، وانفجار كبير يولد انتفاضة كبيرة تهز "إسرائيل"، حيث هناك ٧٥٠ ألف مستوطن وهناك ١١٤ مستوطنة، وبالتالي سوف تكون المستوطنات والمستوطنين تخت تأثير الشعب الفلسطيني الذي سيقود المرحلة القادمة.
معادلة فرضتها طوفان الأقصى
دوليا، مخطط الضم ربما لن يكتب له النجاح على اعتبار أن ترامب -وفق الأعور- لن يكون كما كان في ولايته الأولى. فهو يعي جيدًا تداعيات طوفان الأقصى، الطوفان خلقت معادلة جديدة وهي أن القضية الفلسطينية هي مركز الصراع في الشرق الأوسط.
ووفق تقديره؛ بدأ يدرك ترامب أيضا أن القضية الفلسطينية تشكل مركز الصراع الفلسطيني "الإسرائيلي" ومحور السلم والأمن الدوليين، لذا دون الاعتراف بالحقوق السياسية للشعب الفلسطيني سيبقى العالم في حالة انعدام الأمن وفي حالة عدم الاستقرار، لذلك تقديري أن ترامب لن يدعم هذه المخططات.
ويشدد على أنه لا يمكن التقليل من خطورة مشروع سموترتيش على اعتبار أن مشروع الضم يعني انهيار المشروع الوطني الفلسطيني، وتدمير فكرة الدولة الفلسطينية، أو منع قيام دولة فلسطين، هذا هو الهدف من مشروع الضم.
والنقطة الأخرى – وفق الأعور- أن هناك اجماعا داخل "إسرائيل" على منع قيام دولة فلسطين، ربما هذا يساهم أيضا في نجاح مشروع سموترتيش. يتابع: ربما يعتمد في تنفيذ مخطط الضم على الاستمرار في احتجاز أموال المقاصة الفلسطينية، وقطع العلاقة ما بين البنوك "الإسرائيلية" والفلسطينية مما يعني انهيار الاقتصاد الفلسطيني بالكامل، وسوف يكون له تداعيات مهمة جدا تتمثل في انهيار السلطة الفلسطينية والإعلان رسميًا عن إنهائها كجسم سياسي في الأراضي الفلسطينية.
الشعب الفلسطيني بالمرصاد
ورغم كل ذلك، يبدي الأعور ثقة أن الشعب الفلسطيني لن يسمح بذلك، وبالتالي ربما نشهد تفجر انتفاضة ثالثة سوف تشكل فارقا كبيرا في وقف هذا المشروع، مع إقراره أنه لا يمكن الرهان على العرب، أو على الموقف العربي، أو حتى على الموقف الفلسطيني الرسمي على اعتبار أن كل ما يتم تناوله هو عبارة عن قرارات أممية لا يجرؤ أحد على تطبيقها طالما الامر يتعلق "بإسرائيل".
ويخلص إلى أن الأصوات الصامتة ومن يصمت على مخططات سموترتيش ومن يقف مكتوف الأيدي أمام مشروع الضم ستتجاوزه الأحداث عند تولي الشعب الفلسطيني زمام المبادرة ويقود المرحلة التي سيكون عنوانها لا للاحتلال ولا للاستيطان.
مخطط لطرد الفلسطينيين
أما مراد السبع الخبير في الشأن "الإسرائيلي"، فيشير إلى أن "إسرائيل" تعد الضفة الغربية "منطقة يهودا والسامرة وأنها جزء من "إسرائيل" الكبرى"، وهي لذلك معنية بالسيطرة على الأرض وليس على السكان.
ويحذر السبع أن ذلك يشير الى أن "الإسرائيليين" يخططون لطرد السكان الفلسطينيين لأنها تحرص دائما على ما يسمونه النقاء العرقي، بالتالي لا تريد أن تجلب أشخاصًا ليسوا من العرق اليهودي.
ويرى أن السيطرة على الأرض تعني إنهاء القضية الفلسطينية والدولة الفلسطينية، وأي قرار صادر عن الأمم المتحدة يخص القضية الفلسطينية بحكم أن الضفة الغربية واقعة تحت الاحتلال.
تنفيذ مخطط الضم 2020
ويوضح أن مراحل تنفيذ مخطط الضم غير واضحة المعالم، لكن منذ العام ٢٠٢٠ وضعت "إسرائيل" مخططًا يقضي بالسيطرة على مناطق تسميها ج حسب اتفاقية أوسلو، والتمدد الاستيطاني، ومحاصرة المدن والقرى الفلسطينية بالبوابات الحديدية والسماح عندما تحين الفرصة أو يرغب "الإسرائيليين" بتنقل الفلسطينيين بين مدينة وأخرى.
وأضاف: كان هناك مخطط قديم بعزل منطقة جنوب الضفة الغربية عن الوسط، عن منطقة الشمال، وإيجاد خط لكل منطقة من هذه المناطق يصل إلى الأردن.
وأشار إلى أن مراحل المخطط واضحة منذ ٢٠٢٠، حيث نجد في الضفة الغربية جسور أنشأت، وشوارع جديدة، وإشارات مرور جهزت على الشوارع الخاصة بالفلسطينيين ومحطات للحافلات أنجزت، ومستوطنات على التلال المحيطة بالشوارع الرئيسة، وهي بؤر استيطانية أقيمت.
وعبر عن أسفه لوجود عوامل لنجاح هذا المشروع الصهيوني لعدة أسباب من بينها أن حكومة اليمين المتطرفة هي حكومة تلمودية توراتية جاءت لتنفذ هذا المخطط، والعامل الثاني الدعم الأميركي والأوروبي المطلق لهذا المشروع، وثالث العوامل التخاذل العربي والتشرذم العربي وعوامل التطبيع مع "إسرائيل" التي اطمأنت أنها لن تجد أي دولة عربية من الممكن أن تقف أمام هذا المخطط الاستيطاني لأن كل الدول العربية مستفيدة وترى في "إسرائيل" العنصر الأقوى في المنطقة.
ورأى أنه بالنظر لما يحدث في غزة لولا التخاذل العربي لما حدث كل هذا، ويمكن اضافة عامل رابع هو ضعف الموقف الدولي، وضعف المنظمة الدولية التي من المفترض أن تحافظ على الحقوق الدولية وحقوق الانسان.
وبخلاف الخبير الأعور، يستبعد السبع أن يفجر هذا المشروع الصهيوني الشارع الفلسطيني، لأن الشارع تم تهيئته لتقبل أي شيء بعدما تم تعريضه لنظرية الصدمة، وتم ارهاقه بالعاملين الاقتصادي والاجتماعي، وبإفساده بكل ما أتيح من قوة. ستكون هناك مجابهات فردية غير منظمة وهذا لا يجدي نفعا مع "إسرائيل".
آليات المواجهة
ويشدد على ضرورة أن يكون هناك مخطط شامل لمواجهته من قبيل ائتلاف حزبي أو تشكيل ائتلاف وطني كامل لمجابهة الضم على الصعيدين المحلي والدولي.
ورأى أن من الخطوات المطلوبة لمواجهة المخطط؛ النزول الى الشوارع وإعادة الاعتبار للأحزاب الفلسطينية وتشكيل قيادة وطنية موحدة وتهيئة الشارع الفلسطيني لهذا المخطط.
فلسطين أون لاين