أخبار اليوم - سهم محمد العبادي - هي سلطية الملامح والروح، نشمية أردنية أصيلة، جسدت في شخصيتها كل معاني العراقة والأصالة التي ورثتها عن مدينتها العريقة، السلط. هي المرحومة نجلاء أبو عبود الحياصات، زوجة الأستاذ حسن موسى أبو قريق الخريسات، مربي الأجيال الذي توفي عام 2022 بعد 23 عامًا من رحيلها. كانت نجلاء نموذجًا للمرأة الأردنية التي جمعت بين الأصالة والحداثة، وبين التاريخ والكرم الذي ينبض في كل زوايا السلط.
اعتادت أم عمر أن ترتدي الزي التراثي "الخلقة" السلطية، وهو ليس مجرد لباس، بل إرث يحكي عن تاريخ المدينة العريق، وأصالة سكانها. كانت الخلقة رمزًا لتراث يمتد عبر الأجيال، ليس في القماش فحسب، بل في السلوك والعطاء والكرم الذي كان يفيض منها ومن أهلها. في كل خطوة خطتها نجلاء، وفي كل زاوية من السلط، من شوارعها إلى حاراتها وأكرادها، كان حضورها يعكس قيم هذه المدينة التي تربى أهلها على الإيثار والشهامة.
ورثت نجلاء قطعة أرض عن والدها، وباعتها لتخصص المال في أعمال الخير. وعندما استشارت زوجها حول ما تود فعله، أجابها بفخر: "ورثتك لكِ، تصرفي به كما بدك." قررت أن تترك أثرًا خالدًا من هذا الإرث، فاتفقت مع ابنها، القاضي عمر، على تخصيص المال لدعم طلبة العلم، وخاصة أولئك الذين ضاقت بهم السبل، وهم يبحثون عن فرصة أفضل.
كانت أم عمر صورة حية للنشمية الأردنية التي تحمل في داخلها معاني الشهامة، فوجهت مالها لتعليم الطلبة ومساعدتهم، دون أن تنتظر شكرًا أو مقابلًا. ومن بين هؤلاء الطلبة كان شاب ماليزي يُدعى مزلي بن مالك. تكفلت بنفقاته طيلة سنوات دراسته، دون أن تعرفه شخصيًا، لكنها كانت تعرف أن بذل العلم أعظم ما يمكن أن يقدمه الإنسان.
تخرج مزلي بن مالك من الجامعة الأردنية، وأصبح لاحقًا وزيرًا للتربية والتعليم في ماليزيا. لم ينسَ مزلي فضل هذه السلطية "الحرّة" التي كانت نموذجًا للعطاء. بقي يتواصل مع ابنها، القاضي عمر، يسأل عن السيدة التي غيّرت حياته. وحين علم أنها قد توفاها الله منذ سنوات طويلة، غلبته دموعه، مستذكرًا ذلك الكرم السلطّي الأصيل الذي كان بمثابة نور في طريقه.
لم تكن هذه القصة الوحيدة التي تحمل بصمات نجلاء أبو عبود الحياصات، فقد ساعدت الكثير من الطلبة والعائلات المستورة، وأصبحت رمزًا للعطاء غير المحدود. مثلما كان زيها التراثي "الخلقة" عنوانًا للأصالة، كان سلوكها صورة عن الكرم والشهامة التي تسكن كل بيت في السلط.
نساء السلط، كما كل الأردنيات، كنّ وما زلن مدرسة في الكرم والإيثار، لا يغلقن أبوابهن في وجه المحتاج، ولا يبخلن بما لديهن، صغيرًا كان أم كبيرًا. صدقهن مع أنفسهن ومع الآخرين جعل منهن رمزًا حقيقيًا للشهامة و"سنده" في وقت الشدة.
رحم الله نجلاء أبو عبود الحياصات، وأسكنها فسيح جناته، وجعل كل ما قدمته في ميزان حسناتها وحسنات زوجها الأستاذ حسن موسى أبو قريق الخريسات. إنها ليست مجرد اسم، بل قصة خالدة عن السلطيات النشميات اللواتي يقدمن العطاء بلا حدود، ويحملن في قلوبهن إرثًا لا يزول.