سهم محمد العبادي
في ذكرى ميلاد جلالة الملك الحسين بن طلال، طيّب الله ثراه، نقف إجلالاً وتحيةً لذكرى قائد استثنائي لم يكن مجرد ملك فقط؛ بل كان أباً محباً، وأخاً قريباً، وصديقاً وفياً لكل أردني.
إنه "الباني" الذي أطلق نهضة الأردن العظيمة، فحمل أحلام الأردنيين وآمالهم، ليضع الأسس التي ارتكزت عليها دولتنا الحديثة، تلك النهضة التي انطلقت من قلب التحديات والأزمات الكبرى بزنود الأردنيين لتجعل الأردن العظيم رمزاً للاستقرار والتقدم، وعنواناً للعزة والأصالة.
الحسين بن طلال أحد رموز مدرسة الهاشميين، هذه المدرسة التي تخرج منها قادة الحكمة وأهل الرؤى الثاقبة، مدرسة عريقة، حملت على عاتقها هموم الأمة وقضاياها، وكرست نفسها لخدمة شعوبها وأمتها والإنسانية.
وقد كان الحسين، رحمه الله، تجسيداً حياً لهذه القيم؛ فجمع بين صفات القائد الشجاع والسياسي المحنك، وبين دفء الأب الذي لا تفصله عن شعبه حواجز. فاستقر أبديا في قلوبهم.
كان الحسين يعرف شعبه فرداً فرداً، يتلمس احتياجاتهم، يشعر بآمالهم وآلامهم، ويشاركهم أفراحهم وأتراحهم، لم يكن غريباً أن ترى صوره معلقة في كل بيت، أو تسمع عنه قصصاً يتناقلها الأردنيون جيلاً بعد جيل، كانوا يردّدون "يا حسين حنا عزوتك"، ولم تكن هذه العبارة مجرد كلمات؛ بل كانت عهداً أبدياً وولاءً خالصاً ولكل منهم معه حكاية.
كانت تعبيراً صادقاً عن محبة بلا حدود، فكان الحسين بالنسبة لهم ليس ملكاً فحسب، بل هو منبع للأمان، راية كرامتهم وملاذهم. كان صوته يمدهم بالقوة والصلابة، ويبعث فيهم الأمان والطمأنينة؛ فقد كان صوتاً يحمل في نبراته عزيمة الوطن وإرادة الحياة، كأنما هو همس الأردن العميق الذي يبعث الثقة والأمل والشموخ.
كان الحسين محبوباً من كل أبناء الوطن، لكن العسكر كانوا الأقرب إلى قلبه، كانوا يرون فيه القائد الذي شاركهم ميادينهم، وعاش معهم في أصعب الظروف، كان يتبادل معهم الحب والولاء، فتعمقت بينهم علاقة تتجاوز الرتب والمسؤوليات؛ فقد كانوا له الجنود الأوفياء الذين يسهرون على حماية الوطن بروح عالية، مليئة بالإخلاص والاعتزاز.
وهذا الحب لم يكن محصوراً بالعسكر، بل شمل أيضاً قادة السياسة وأصحاب القرار والعشائر التي عشقت حتى هدب شماغه، الذين وجدوا فيه قائداً محنكاً لا تغيب عنه الحكمة، وزعيماً يضع مصلحة الوطن قبل كل شيء.
في سنوات حكمه الطويلة، قاد الحسين مشروعاً نهضوياً شاملاً، جعل من الأردن وطناً يقف شامخاً. جعل الجيش العربي الأردني كقوة حامية للسيادة وأساس لكرامة الوطن، وجعل التعليم والصحة أولوية ليكون الأردن وجهة للشباب من كل الأقطار العربية.
كانت المستشفيات والمراكز الصحية شاهدة على عنايته بكل مواطن، وكان التطوير في الزراعة والصناعة والتجارة، وبناء بنية تحتية متينة، دليلاً على حرصه أن يكون الأردن قادراً على مواجهة التحديات وتحقيق التنمية المستدامة، وأصبح الأردن العظيم قلعة العروبة والأمة.
لم يكن الحسين قائداً محلياً فقط، بل كان زعيماً عربياً وعالمياً ذو مكانة مرموقة، حمل هموم الأمة العربية في قلبه، ودافع عن قضاياها العادلة، لتحقيق العدل ورفض الظلم، لم يتردد في الدفاع عن فلسطين، وكان صوته صوت الحق في وجه الظلم، وقدوة للشجاعة في زمن كثر فيه الجبناء وأرض المعارك شاهدة على حسيننا العظيم رحمه الله.
بعد رحيله، استلم جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين، المعزز، راية الأردن، مواصلاً إرث والده الباني.
حمل الملك عبدالله راية العزة بحكمة وحزم، وأصبح القائد الذي وضع الأردن في مقدمة الدول، حاضراً في المحافل الدولية ومشاركاً في صنع القرارات العادلة.
بفضل قيادته الرشيدة، غدا الأردن اليوم نموذجاً يحتذى به في الاستقرار، وأثبت للعالم مكانته وحضوره الفاعل، وتعاظمت الإنجازات والتطوير.
في ذكرى ميلاد الحسين، نستذكر روحاً حاضرةً لا تغيب، وأباً لا ينقطع دعاؤنا له، يا من ملأت الوطن أمناً وعطاءً، يا من كنت راية العدل وملاذ الضعفاء، نقف اليوم فخورين بذكراك، حاملين رايتك خلف قائدنا المعزز الملك عبدالله الثاني، مصممين على أن نحافظ على مجد الأردن العظيم، ليبقى رمزاً للكرامة والعدل، وقلعة صامدة في وجه كل التحديات.
وعهدنا كما قال الشاعر سليمان المشّيني، بأبيات حب ووفاء، تعبّر عن علاقة الأردنيين بقائدهم:
يا حسين حِنّا عِزوتك... رفايقك على الطّريق
تِسْلَم وتسلم رايتك... تبقى لربعك بالصديق
حِنّا اللي نحمي دارنا... نحرق هالمعادي حريق
يا حسين عرشك قلبنا... وبالعهد نوفي وما نبوق
بهذه الكلمات، نختتم عهدنا الأبدي لروح الحسين الطاهرة، ونمضي في درب العزة تحت راية القائد المعزز الملك عبدالله الثاني، أبي الحسين المفدى، ليبقى الأردن العظيم شامخاً أبداً، ورايته «في الذرى والأعالي فوق هام الرجال.. زاهيا... زاهيا... اهيبا».