أخبار اليوم - تُواصل مصادر في الولايات المتحدة وإسرائيل الحديث عن قرب توقيع اتفاق وقف للنار مع “حزب الله”، لكن الوقائع على الأرض تكشف عن تصعيد، ويبدو أن هذه الفجوة الكبيرة بين الأقوال والأفعال ستبقى قائمة حتى دخول الرئيس الأمريكي المنتخب ترامب إلى البيت الأبيض، في مطلع العام الجديد.
عقب لقائه بوزير الشؤون الإستراتيجية في حكومة الاحتلال، رون ديرمر، في واشنطن، أمس، قال المبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط، عاموس هوكشتاين، مساء أمس، إن هناك احتمالات بإحراز تسوية ووقف الحرب في الشمال. “كلي أمل”، قال هوكشتاين موضحًا أن “روسيا، من ناحية الولايات المتحدة، غير متداخلة في مساعي التسوية”، وهو تصريح مخالف لتقارير إعلامية تحدثت، في الأسابيع الأخيرة، عن اتصالات بين تل أبيب وموسكو بغية تجنيد الأخيرة في تطبيق الاتفاق ومنع تهريب السلاح من سوريا إلى لبنان وغيره.
ورغم تصريحاته المتفائلة عن قرب التوصّل لوقف النار على الجبهة اللبنانية، قال عاموس هوكشتاين إنه ليس هناك تأكيد على أنه سيغادر واشنطن إلى بيروت لطرح مسودة الاتفاق.
في هذا السياق، قالت مصادر سياسية في لبنان إن رئيس البرلمان نبيه بري لم يتحدث مع هوكشتاين، لكن أي زيارة له إلى بيروت الآن تعكس رغبة إدارة بايدن في حلّ المواجهة مع “حزب الله” قبل نهاية ولايتها.
يُشار إلى أن هوكشتاين، الذي سبق أن قاد مساعي الاتفاق اللبناني الإسرائيلي حول حقول الغاز في البحر الأبيض المتوسط، قبل نحو عامين، سينهي مهامه قريبًا وسيُستبدل بمسعد بولس، وهو أمريكي من أصل لبناني تربطه علاقات مصاهرة مع عائلة ترامب.
الخلافات الجوهرية على حالها
بالتزامن، توضح الإذاعة العبرية العامة، اليوم الأربعاء، أن الاتفاق مع “حزب الله” ليس وشيكًا، رغم التصريحات المتفائلة، وتشير إلى وجود خلافات جوهرية في عدة بنود، منها رفض الجانب اللبناني طلب إسرائيل بالاحتفاظ بحرية التصرف في كل الأراضي اللبنانية حال انتهك “حزب الله” الاتفاق، ولم تتمكن القوات الدولية من منعه. كما أن سرعة انتشار الجيش اللبناني في المنطقة الجنوبية من نهر الليطاني هي موضع خلاف؛ فإسرائيل تريد ذلك الآن وفورًا، أما الجانب اللبناني فيرى أن العملية تستغرق وقتًا أطول.
في الأثناء، تستمر الحرب، وسط توسيع إسرائيلي للحملة البرية، وتكثيف متجدّد لقصف الضاحية في بيروت وازدياد في كمية الصواريخ والمسيّرات نحو حيفا والجليل.
وفي الأمس، قُتل مواطن إسرائيلي وعميل لبناني سابق، عضو في “جيش لبنان الجنوبي”، في مدينة نهاريا الحدودية، وأصيب عدد من الإسرائيليين بجراح.
يعتبر بعض المراقبين في إسرائيل أن التصعيد هو دليل على قرب النهاية، حيث يحاول الطرفان الظفر بـ “صورة انتصار”، قبيل وقف النار، وذلك ضمن الصراع على الوعي والرواية، والتي سارع وزير الأمن الجديد في حكومة الاحتلال، يسرائيل كاتس، للمشاركة فيها، بقوله، أول أمس، إن إسرائيل انتصرت على “حزب الله”.
وتبعه، اليوم، الأربعاء، الوزير المتطرف، عميحاي إيلياهو (الصهيونية الدينية)، الذي قال إن إسرائيل عزّزت قوة ردعها مقابل “حزب الله”، مطالبًا بحسم “حزب الله” بدلًا من التوصّل إلى تسوية معه، حتى لو استدعى ذلك احتلال كل جنوب لبنان.
عميحاي إيلياهو، الذي سبق أن دعا لاحتلال شبه جزيرة سيناء المصرية، وقصف غزة بالنووي، دعا اليوم أيضًا إلى بناء مستوطنات في غزة من جديد.
استهداف كل لبنان
في المقابل، هناك مراقبون إسرائيليون يتحفّظون من ذلك، ويحذّرون من الغرور وسرعة التصريحات التي تحوّلها الحقائق في الميدان إلى ما يشبه رسم الكاريكاتير، بينما هناك من يدعو إلى المزيد من الضغط واستهداف كل لبنان، طمعًا بالانتصار في حرب مكلفة طالت كثيرًا.
في حديث للإذاعة العبرية، دعا مستشار الأمن القومي الأسبق، الجنرال في الاحتياط غيورا آيلاند، مجددًا، إلى ما طالب به قبل الحرب، وهو ضرورة ضرب البنى التحتية والفوقية في لبنان كدولة.
واستنكر آيلاند عدم استهداف إسرائيل لمطار بيروت الدولي، بعدما أطلق “حزب الله”، قبل أيام، صاروخًا سقط في مطار اللد الدولي، شرق تل أبيب.
كذلك، انتقد آيلاند دعوة الناطق العسكري باللغة العربية، أفيخاي أدرعي، لسكان عمارة في الضاحية بالنزوح قبل استهدافها، كونها تقع في منطقة تصنيع أسلحة تابعة لـ “حزب الله”.
آيلاند، صاحب نظرية استهداف المدنيين في غزة دون تمييز، معتبرًا النساء والأطفال حاضنة شعبية لـ “حماس”، والمبادر لـ”خطة الجنرالات” الخاصة بالتهجير والتدمير، تساءل أيضًا: لماذا يتم إنذار السكان داخل عمارة واحدة ولماذا لا تتم دعوة كل سكان الضاحية للرحيل؟
بين بايدن وترامب
من جهة أخرى، يحذّر آخرون من التورّط في وحل لبنان للمرة الثالثة، منهم المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس”، عاموس هارئيل، الذي يسلط الضوء، اليوم، على خطورة تطبيع الإسرائيليين لحالة الحرب الدموية المكلفة وغير الطبيعية، منبّهًا إلى أنه، في حال استمرت الحرب في الشمال، ستزداد محنة جنود الاحتياط الذين يئنون تحت وطأة الأعباء، في ظل استدعائهم عدة مرات للقتال في حرب طويلة.
كما يحذّر من تفاقم مشكلة النقص في الذخائر، خاصةً مع اقتراب الشتاء، ما يزيد من صعوبة الحرب على الجيش الإسرائيلي في لبنان.
هارئيل، الذي يتقاطع مع مراقبين آخرين ينبّهون إلى خطورة عدم وجود خطة لدى إسرائيل في حربها مع “حزب الله”، يؤيد وقفها منذ شهور. ويقول إن حكومة الاحتلال تحاول تعويد الإسرائيليين على الحرب وضحاياها وصواريخها، لكن الموت اليومي وإهمال المخطوفين ليسا ثمنًا اعتياديًا: “جنود ومدنيون يقتلون يوميًا، وحكومة نتنياهو تراهن على نسيان الإسرائيليين السريع لحوادث القتل والإصابات”.
وهذا ما تحذر منه المحاضرة في الإعلام والباحثة في معهد إسرائيل للديموقراطية، رفكاه نارياه بن شاحر، ضمن مقال تنشره صحيفة “يديعوت أحرونوت”، اليوم، محذّرة من أن نتنياهو يريدها حربًا مفتوحة في كل الجبهات، لاعتبارات تتعلق بمصالحه وأولوياته الشخصية، وعلى حساب مصالح إسرائيل.
في ظل كل ذلك، يبدو أن الأحاديث عن وقف النار في لبنان، كما في غزة، ستستمر، ولن تنجح الإدارة الأمريكية الحالية في الخروج من دائرة إخفاقاتها في تحقيق وقف للنار، أو إحراز تسويات.
وفي الأمس، عاد بايدن ليقول مجددًا: “لست يهوديًا، لكنني صهيوني”، ويبدو أن احتمال وقف الحرب فعليًا لن يتحقق قبل دخول ترامب إلى البيت الأبيض؛ فهو، رغم دعمه التقليدي الكبير لإسرائيل، يرغب في التغيير والهدوء في الشرق الأوسط، وقال ذلك بنفسه في “خطاب النصر”، ونتنياهو، الذي يؤخّر تقديم حلول، يبدو راغبًا في تقديم ذلك له، لا لبايدن، كهدية لتعزيز الثقة معه.