أخبار اليوم - يبدو الحزن جليا على وجه الطفل خالد، الذي يبلغ من العمر عشر سنوات ويعيش مع جده بعد انفصال والديه وابتعادهما عنه. فقد قرر كل منهما بناء حياة جديدة مع شريك آخر، بحثا عن تأسيس عائلة جديدة.
جاء قرار والدي خالد بالانفصال بعد أن تفاقمت الخلافات بينهما، وقررا أن يتركا ابنهما الوحيد في رعاية جده، الذي ظنا أن ثروته ووسائل الراحة التي يوفرها ستكون كافية لإسعاد خالد وتلبية احتياجاته كافة.
لكن الحقيقة أن خالد، على الرغم من مظاهر الرفاهية التي يعيشها، يفتقد بشدة لحنان واهتمام والديه ووجودهما إلى جانبه. وقد عبر عن هذا الشعور لصديقه قائلاً: "كل شيء عندي إلا أم وأب".
يسكن الحزن قلب خالد في غياب والديه، حيث افتقد معهما الأمان والرعاية والاستقرار والجو الأسري الذي يحلم به كل طفل. ومع ذلك، ماذا بوسعه أن يفعل أمام قرار الانفصال الذي فرض عليه واقعا لا قدرة له عليه.
قصة خالد تعد واحدة من قصص عديدة لأطفال يعانون آثار انفصال عائلاتهم، وهو قرار يترك بصمة عميقة على حياة الأطفال ونفسياتهم، قد تمتد لسنوات طويلة من دون أن يدرك العديد من الآباء والأمهات حجم هذا التأثير.
في بعض الأحيان، يكون الطلاق الحل المنطقي لإنهاء علاقة زوجية مؤلمة، لكنه يبقى خيارا صعبا، حيث يقع أثره الأكبر على الأبناء. فهم يواجهون تغيرات واضطرابات نفسية كبيرة في سن صغيرة، مما يتركهم في حالة من التخبط والبحث عن الأمان الذي افتقدوه.
من جهة أخرى، تنتشر في المجتمعات الغربية فكرة تأهيل الأطفال للتعامل مع تجربة الطلاق، وهي خطوة قد تكون مساعدة، حيث تجعل من الصدمة تجربة يمكن التعافي منها والمرور بها بأمان وبأقل قدر من الخسائر. ويعد التمهيد للأطفال قبل إعلان قرار الانفصال خطوة مهمة، إذ يساعد إخبارهم بالأمر بشكل مدروس في تخفيف حدته عليهم. ورغم أن هذه الخطوة قد تقلل من الآثار السلبية للانفصال، إلا أنها لا تلغيها.
أوضحت اختصاصية الإرشاد التربوي والنفسي والعلاقات الزوجية، سلمى البيروتي، أن الطلاق يعد مرحلة مليئة بمشاعر عدم اليقين والتغيرات، مما يؤثر على إحساس الأبناء بالأمان والاستقرار والدعم. لذلك، من المهم أن يتم تهيئة الأطفال لهذه الخطوة، إذا كان الأزواج يفكرون بها، مع مراعاة أعمارهم.
وتشير البيروتي إلى ضرورة أن يتم التهيئة وفقا لقدرة الأطفال على الإدراك والاستيعاب، حيث لا يمكن شرح مفهوم الطلاق لطفل لا يتجاوز عمره الأربع سنوات بالطريقة نفسها التي يتم بها لطفل أكبر سنا. في هذه الحالة، يفضل تقديم تفسير بسيط ومختصر يتناسب مع المرحلة العمرية للطفل.
وتشدد البيروتي على أهمية أن يقوم الأزواج الذين يمرون بمرحلة الانفصال بإخبار أطفالهم أنهم يواجهون مشاكل في زواجهم، وأن هذه المشاكل لا علاقة لهم بها. وتوضح أنه من الضروري توضيح احتمالية حدوث تغير في علاقة الوالدين، وأنهم قد لا يعيشون معا، لكنهم سيظلون والدين محبين ومهتمين بأطفالهما، مع التنبيه على أن النظام العائلي قد يشهد بعض التغيير.
ووفق البيروتي، الطلاق يجب أن يتم بطريقة حضارية، موضحة أن المجتمع العربي، وخاصة في الأردن، يشهد أحيانا مشاعر كراهية وعداوة بين العائلتين بعد الطلاق، وهو ما لا نشاهده كثيرا في المجتمعات الغربية، حيث يكون هناك حرص أكبر على الحالة النفسية للأطفال، وهذه سمة إيجابية ينبغي علينا أن نتبناها.
وتؤكد البيروتي أنه عند اتخاذ قرار الانفصال، من المهم عدم إحداث تغييرات كبيرة في البيئة المحيطة بالأطفال، حيث يفضل أن تبقى بيئتهم مستقرة قدر الإمكان. فعلى سبيل المثال، تغيير مدارسهم فجأة أو تعريضهم لتغيرات كبيرة في حياتهم اليومية يمكن أن يزيد من مشاعر عدم الأمان، ويضاعف لديهم التوتر والقلق.
لذا، ينبغي على الوالدين محاولة الحفاظ على استقرار المنزل واستمرار العلاقة مع الأماكن المحيطة، بحيث لا يتغير الجو من حول الأطفال، مما يساعد على تخفيف وطأة الضغط الذي سيواجهونه.
وتضيف البيروتي أنه من الضروري عدم إحداث تغييرات في السنة الأولى، حتى يصل الطفل إلى مرحلة من التأقلم مع الوضع الجديد. كما أن الاختصاصيين لا ينصحون أي أحد من الزوجين بالارتباط بشخص آخر خلال المرحلة الأولى، وذلك في محاولة منهم للحفاظ على بيئة مستقرة قدر الإمكان بالنسبة للأطفال.
وتؤكد أهمية تلقي الدعم في هذه المرحلة من خلال تواصل الوالدين مع المدرسة والمرشدين حول كيفية مراعاة احتياجات الأطفال والاهتمام بهم، وضرورة التحدث معهم خلال هذه الفترة.
كذلك؛ توفير مساحة للأطفال للتعبير عن مشاعرهم، سواء كان ذلك من خلال الرسم أو المحادثة أو اللعب، مما يساعدهم على التعبير عن غضبهم وخوفهم وقلقهم، وعلى الوالدين الاستماع إليهم وطمأنتهم قدر الإمكان، مع العمل على وضع نظام جديد في المنزل.
ومن طرق التهيئة قبل الانفصال أن يخرج الأب مع الأطفال بمفرده، وكذلك الأم، بحيث يصبح هذا الأمر مألوفا لديهم بعد الانفصال. بمعنى آخر، يجب أن يكون هذا النمط الجديد من التفاعل معهم غير غريب عليهم.
من الأفضل، إذا وصل الزوجان إلى قرار الانفصال، أن يستعين كل منهما باستشاري نفسي للمساعدة في تجاوز هذه المرحلة، التي تكون عادة ضاغطة جدا. كما يحتاج الأطفال إلى مرشد نفسي في هذه الفترة.
وتضيف البيروتي أنه من المهم عدم مفاجأة الأطفال بقرارات فجائية، لأن ذلك قد يزعزع شعورهم بالأمان. وتبين أنه في بعض الأحيان قد يكون الطلاق هو الحل، رغم كونه أبغض الحلول عند الله، إلا أنه في حالة وجود خلافات لا يمكن حلها، قد يصبح الخيار الأفضل.
ومن الجانب التربوي، يوضح الاختصاصي عايش نوايسة أن البيئة الناتجة عن الطلاق تعد سلبية. ويشير إلى أن هذا الحدث قد يكون إيجابيا للزوجين اللذين لم يحدث بينهما توافق، لكنه يؤثر سلبا على الأبناء، الذين سيفتقدون الجو المتوازن الذي يعتمد على الأدوار الأسرية، مثل دور كل من الأب والأم وفقا لمتطلبات الحياة الاجتماعية.
ويشير نوايسة إلى أنه من الناحية النفسية، لن يتقبل الأبناء فكرة الطلاق، مما يخلق صراعا بين الطرفين، أي الأب والأم. ويؤكد أننا لا نتحدث عن حالة مثالية، بل عن حالة في مجتمعاتنا العربية، حيث لا يتم الطلاق في أجواء هادئة مع إعلان القرار للأطفال، بل على العكس، قد يكون الصراع كبيرا، فتلحقه صراعات أسرية، وهذه هي الحالة المتواجدة اليوم.
بينما ينبغي أن يكون هناك تفاهمات بين الأبوين حول ما سيقال، وينبغي أن تنقل هذه التفاهمات إلى الأبناء، بحسب نوايسة، كما يوضح أنه من المهم تفسير استحالة العيش في ظل اختلافات فكرية أو ثقافية أو اجتماعية. ومع ذلك، فإن تطبيق هذه الفكرة على أرض الواقع بالنسبة للأطفال في بيئتنا العربية يعد صعبا، لأننا نتعامل مع الطلاق كحالة صراعية.
وينوه نوايسة إلى أن عددا قليلا من الأزواج العرب الذين انفصلوا ظلوا أصدقاء وتواصلوا، وهذه حالات استثنائية. لكن الحالة العامة هي حالة صراع، مما يجعل من الصعب تحقيق التفاهمات المطلوبة على أرض الواقع، نظرا لأن البيئة التي نعيش فيها تسهم في نشوء الخلافات.
ووفقا لذلك، يوضح نوايسة أن الطلاق غالبا ما يعد حلا صراعيا، وأن تفسيره للأطفال لن يكون بالاتجاه الصحيح. لذلك، لن يتمكن أولياء الأمور من إيصال الفكرة إلى الأبناء، لأنهم أنفسهم لم يفهموها، كما يقول المثل "فاقد الشيء لا يعطيه". فهم غير قادرين على التوصل إلى تصالح مع أنفسهم، مما يجعل من الصعب عليهم إيصال هذه الفكرة للآخرين.
ويصف نوايسة الحالة المثالية بأنها تكمن في تأهيل الأطفال للتعامل مع الطلاق، مؤكدا أنه يتمنى أن تكون هذه الحالة موجودة في مجتمعاتنا العربية، حيث سيكون لذلك انعكاسات إيجابية على تربية الأبناء ويساعدهم على التكيف في بيئة أسرية أكثر استقرارا. ويضيف: "نتمنى أن نصل إلى هذه الحالة المثالية في الطلاق من خلال التفاهم، ولتطبيقها نحن بحاجة إلى وعي مجتمعي وأسري".
يذكر نوايسة أنه إذا تم الوصول إلى مرحلة تأهيل الأطفال للتعامل مع الطلاق كفكرة حاضرة في مجتمعنا، فإن تلقي هذا الخبر سيكون له وقع أقل على الأبناء. ومع ذلك، يعتمد ذلك على عوامل عدة، منها العمر الزمني للطفل، وطبيعة المجتمع الذي يعيش فيه، وطبيعة العلاقة بين الأبوين، وعدد أفراد الأسرة.
ويلفت إلى أن المراحل العمرية للأطفال مختلفة، وكل مرحلة تتلقى الفكرة بشكل مختلف وتكون لها ردود فعل متنوعة. فهو يوضح أنه عندما أتحدث مع طفل في المرحلة الثانوية، تختلف التجربة تماما عما هو عليه مع طفل في المرحلة الابتدائية. فلكل طفل تقديراته الخاصة والطريقة التي يستقبل بها الخبر. كلما كان الطفل أصغر سنا، كانت الأمور أصعب، وقد يتسبب ذلك في صدمة وصراع داخلي، لأنه اعتاد وجود الأب والأم، وقد لا تظهر لديه ردود فعل سلبية، لكنه يكتمها لأن حياته اليومية ستتغير بشكل كبير.
ويختم نوايسة حديثه بالإشارة إلى أننا نتعامل بشكل خاطئ مع الطلاق كأشخاص في ثقافتنا العربية. فبمجرد حدوث خلاف أو صراع، يغيب الحوار، وللأسف، ثقافتنا ليست ناضجة بالشكل الكافي لنتمكن من الوصول إلى تلك المرحلة من الوعي، حيث نستطيع توعية الأبناء. ويقول: "إذا كنا نحن في الأساس لا نملك هذا الوعي لطبيعة العلاقة والمرحلة، كيف سنستطيع أن ننقل هذا الأمر إلى الأبناء؟".
ويضيف: "لن نصل إلى مرحلة يمكننا فيها إقناع الأطفال بأن هذا الانفصال هو لمصلحة الأسرة إلا إذا كنا على درجة عالية جدا من الوعي".
الغد