أخبار اليوم - صدر كتاب بعنوان "هدى فاخوري طيف جميل مر بخاطر كثيرين"، قام بإعداده وتحريره د. عبدالله مطلق العساف.
وفي كلمة على غلاف الكتاب، كانت كتبتها هدى فاخوري تقول فيها: "الحب والود والصداقة مشاعر نعيشها في كل مراحل حياتنا، وأحيانا لا ندرك قيمة ما عشناه إلا بعد مرور الوقت، أذكرهم وأذكرهن، أتذكر كل من منحني بسمة أو لحظة ود أو غمرني بصداقة لا تنتهي، كل هؤلاء المحبين والمحبات، الأصدقاء والصديقات، الأهل والأقارب، كانوا بالنسبة إلي عالما ودودا، منحوني حبا أكثر مما أستحق، واحتفظت في أعماقي لكل فرد منهم بود وحب عميقين، يلتقطه رادار كل منهم عندما يحتاجني في أي لحظة، أقول: "إذا أحببت حجرا صدفة أو زهرة، فستكتشف أن هناك ودا متبادلا بينك وبين ما أحببت".
يتضمن كتاب "هدى فاخوري.. طيف جميل مر بخاطر كثيرين"، كما يقول العساف كلمات الوفاء لفاخوري في حفل التأبين الذي أقيم في قاعة الرشيد في مجمع النقابات المهنية في يوم السبت 17 كانون الأول (ديسمبر) 2022، وجاء الحفل بدعم من جمعية الصداقة الأردنية الكوبية، وأهلها وأصدقائها ومحبيها، مبينا أن الحفل اشتمل على كلمات ألقيت احتفاء بمسيرتها النضالية، إلى جانب عرض ما نشر عنها على وسائل التواصل الاجتماعي الإلكترونية من نعي وبرقيات تعزية، ومقالات نشرت في الصحف العربية والأردنية، وصولا إلى كلمات كتبها ثلة من المقربين منها، المحبين والسياسيين والمثقفين المعاصرين لها، والتي تضمنت جميعها شهادات حية لمسيرتها النضالية والثقافية".
في مقدمته يقول العساف: "عاشت الدكتورة هدى فاخوري طوال حياتها إنسانة حقيقية بكل معنى الكلمة، وكانت صاحبة مبادئ سامية لا تحيد عنها قيد أنملة ولا تتراجع، وقد شاءت الأقدار أن أتعرف إليها أكثر عن قرب، وذلك في أثناء فعاليات الدوار الرابع ووقفاته الاحتجاجية، فقد واظبت فاخوري على المشاركة في الاعتصامات التي كانت تنظم كل يوم خميس طوال الفترة الممتدة
(2018-2020)، وكانت خلال ذلك مثلنا الأعلى في الصمود والثبات والإصرار على المبادئ في سبيل تحقيق المطالب الوطنية، فلم تغب يوما عن هذه الفعالية رغم تقدمها في السن وأحوال الطقس المتقلبة، وعندما كانت تشتد غزارة الأمطار والبرودة في فصل الشتاء، كنت أتصل بها لثنيها عن الحضور خوفا عليها، ولكنها كانت تصر على الحضور بشخصها وحضورنا جميعا".
ويشير العساف إلى أن علاقته توطدت مع فاخوري أكثر فأكثر، عندما كانت تدعونا باستمرار إلى منزلها مع توأمها بالنضال ورفيقها المناضل القاص سعود قبيلات، وكانت دائما لا تبخل علينا بالنصح والثبات في ظل سياسة اليأس والتسويف، والتي كانت تتبعها السلطة وأهل الحكم، من خلال عدم الاستجابة لمطالب الشعب الأردني المشروعة، ولم تكتف بذلك، بل كانت تعمل على جمع شملنا شهريا، أو كل بضعة أشهر، في أحد مطاعم عمان مع عدد من المثقفين الأردنيين من أعضاء رابطة الكتاب الأردنيين، إذ كانت ترتبط بهم بعلاقات طيبة ووثيقة، فنجتمع لنتناقش في الهم الوطني والشأن الثقافي، وكان ذلك أشبه بـ"صالون سياسي ثقافي"، لم ينقطع إلا فترة مرضها ورحيلها.
ويرى العساف أنه أثناء انعقاد حفل تأبين فاخوري، ثبتت بالبرهان القاطع مكانتها الكبيرة وذلك نظرا لصدق مواقفها ونضالاتها، حيث حضر وشارك في الحفل جمع غير رفاق الفقيدة الكثيرين ومحبيها من الشخصيات السياسية والثقافية، وكان هذا الحفل أشبه بتجمع أردني وطني وعربي قومي، جاؤوا جميعا ليحتفوا بمسيرة نضال وصدق وعطاء وكرامة، إنها مسيرة إنسانة أضافت الكثير، وعلى جميع الأصعدة إلى حياة كل من عرفها.
ويضيف العساف، أن فاخوري كانت شغوفة بغرس القيمة الوطنية الأردنية في كتاباتها القصصية للأطفال، وقلما تجد مقالة أو كتابا لها يخلو من المفردات الشعبية والتراثية الأردنية، وهي بذلك تهدف إلى إثراء أعمالها بالطقوس والعادات والأعراف الأردنية الأصيلة، فما إن تنتهي من كتابة أي عمل ونشره حتى تسارع مسرورة إلى إهدائنا نسخة موشحة بتوقيعها، وتطلب منا قراءته وتنتظر في الجلسات المقبلة، معها أن نتحدث عنه ولو بكلمة.
وخلص العساف إلى أن رحيل فاخوري ترك أثرا يشف عن حزن عميق لديه، فقد رحلت في أحلك الظروف التي تعصف بنا في هذا الوطن، ونحن في أشد الحاجة إلى أمثالها الوطنيين الغيورين والمحبين والمخلصين لوطنهم الأردن، فقد كانت الراحلة كما عرفتها إلى آخر يوم في حياتها ثابتة على مبادئها الوطنية والقومية والأممية والإنسانية، وستظل فاخوري حية بذكراها التي لن تمحى، فهي التي تركت بصمات عديدة في ميادين كثيرة وباتت قدوة يتحذى بها، فلروحها الرحمة، ولذكراها الخلود، والمجد، وللوطن العزيز الرفعة والتقدم والازدهار.
فيما كتب القاص سعود قبيلات قصة بعنوان "حضروها الجميل بيننا الذي لا شفاء منه"، يشير فيها إلى أن فاخوري كانت تكره الزيف، والكذب والانتهازية، والتقلب في المواقف وبالمقابل، كان الكاذبون، والمنقلبون، والمزيفون، والانتهازيون، والمفرطون بالمبادئ والقيم الوطنية، يكرهونها بشدة ولا يطيقون الاقتراب منها، لأنها لم تكن تتوانى عن كشف حقيقتهم البشعة، وشجب أفعالهم المنحرفة، ومواجهتهم وليس من وراء ظهورهم.
ويستشهد قبيلات في هذه الكلمة بموقف له مع فاخوري يقول فيها: "ذات مرة كنا نسير معا في أحد المولات، فرآنا كاتب معروف وهو جالس مع أصدقائه في مقهى ستاربكس، فجاؤوا للسلام علينا؛ لكنها لم تبادلهم المجاملة بالمثل، بل راحت تقرعهم، قائلة: "كيف تجلسون في هذا المقهى الصهيوني الذي يدعم المستوطنات الصهيونية في فلسطين المحتلة؟؟ أنتم، بهذا تساهمون في دعم المستوطنات الصهيونية"، ثم شعر الكاتب وأصدقاؤه بالحرج، ومضوا في سبيلهم؛ فقلت لها: "شو بدك فيهم؟ يعني هما راح يغيروا سلوكهم هذا نتيجة تقريعك لهم؟ فقالت: حتى لو كان الأمر كذلك، يجب أن أقول لهم رأيي فيهم".
ويضيف قبيلات، جمعت الصدفة بيني وبين فاخوري لأول مرة، في الحملة الانتخابية لتيار القدس في رابطة الكتاب الأردنيين، التي خضنا غمارها معا في صيف العام 2007، مبينا أنه قبيل الانتخابات بحوالي شهر، فوجئت بأنه تم الاتفاق على ترشيحي على رأس قائمة التيار كبديل أخير لحله، في النهاية لم يكن أمامي سوى الاستجابة لطلبهم. والتفاصيل، في هذا المجال، كثيرة.
فيما قالت الروائية والقاصة سميحة خريس في كلمة بعنوان "هدى"، تقول فيها: "لماذا اعتبرت فاخوري صديقة؟ كانت كل المواقف التي شهدتها تبين صدق وأصالة تلك الروح المتوهجة كنجمة، وكنت أغبطها على الهمة العالية التي تبادر من خلالها لإنقاذ الرابطة ومن هنا عبر نشاطات مكثفة ونوعية، عدا عن تلك المؤشرات التي تتمتع بها في إضافة لمحة جمالية إلى المقر وصبغة أناقة إلى الفعاليات، تفعل كل ذلك بروح صافية، ولكن بشراسة محاربة، تعاملت هدى مع الرابطة كأنها بيتها، لهذا كنا أهلها وعائلتها.
وفق تلك الإضاءات التي ميزتها في موقعها العملي تسنى لي الاقتراب منها كإنسانة، تلك الصلبة التي لا تهادن في الموقف السياسي أو الإداري تتحول إلى شقيقة حانية، ورفيقة تجيد الاستماع وتخلص النصيحة، تفعل كل ذلك من دون افتعال ولا وصاية، ووسط طاقة إيجابية من الفرح وحب الحياة وتقدير الصداقة والعطاء.
أما كلمة الدكتور معن بشور فيقول فيها: "لقد تعرفت الغالية فاخوري في دورات عدة للمؤتمر القومي العربي، فرأيت فيها المناضلة المتمسكة بمبادئها وقناعاتها حتى لو غضب منها الآخرون، وقد عرفت فيها الأديبة المدافعة عن مواقفها بعيدا عن المصلحة والأهواء الشخصية، وكانت مثالا للإيمان بالقيم والمبادئ حتى لو خالفها الآخرون، وحين سألتها مرة عن سبب هذا الجد في مواقفها قالت بنبرة حزينة: "إنها الميوعة يا رفيقي، والتي مع الأسف، تتسم بها مواقف الآخرين ممن كنا نعول عليهم".
وأذكر مرة، حين تقرر انعقاد المؤتمر القومي العربي في تونس العام 2012، وكان ذلك في بداية الأزمة السورية، رفض بعض الإخوة المشاركة في المؤتمر، وذلك لاعتقادهم بتراجع موقف المؤتمر المدرك لخطورة ما يحاك لسورية فقرروا مقاطعة المؤتمر، إلا هدى، صاحبة الموقف المعروف مما يجري في سورية، فقد أصرت على المشاركة والذهاب لإبداء رأيها، وهكذا كان لهدى موقفها الصريح والقوي".