أخبار اليوم - عواد الفالح - أدى دخول المسلسلات الأجنبية إلى المجتمع الأردني إلى حدوث تغييرات جذرية في بعض القيم والمفاهيم. ما كان يُعد حرامًا ومرفوضًا اجتماعيًا أصبح يُنظر إليه كعيب، ومن ثم تحول تدريجيًا إلى "حرية شخصية"، مما جعل العديد من الأسر في مواجهة صعبة للحفاظ على هويتها. يقول الأستاذ أحمد، الباحث في الشؤون المجتمعية: "من الصعب تجاهل تأثير هذه المسلسلات التي تعمل على غرس قيم وأفكار بعيدة عن مجتمعنا، وتحول الحرام إلى عيب، ثم تجعل من العيب أمرًا مقبولًا تحت ذريعة الحرية الشخصية".
دور الأسرة.. الأساس في الحفاظ على القيم وغرس الوازع الديني
تؤدي الأسرة دورًا جوهريًا في توجيه الأبناء نحو القيم السليمة، ويصبح دورها أكثر أهمية في ظل التغيرات الثقافية المتسارعة. ومن هنا، يتطلب الوضع من الأهل تعزيز الوازع الديني لدى أبنائهم كجزء من التربية الأسرية. تقول السيدة أميرة، وهي أم لثلاثة أبناء: "أعتقد أن الوازع الديني هو الأساس في تحصين أبنائي من التأثر بالقيم التي تعرضها المسلسلات الأجنبية، فمن خلاله يتمكنون من التفريق بين ما هو مقبول وما هو غير مقبول".
تضيف أميرة أن تنمية الوازع الديني يساعد الأبناء على بناء رقابة ذاتية تجعلهم يدركون المسؤولية في التعامل مع المحتوى الأجنبي بطريقة لا تخل بقيمهم. وتوضح: "الوازع الديني يمنح الأبناء قوة داخلية تمكنهم من رفض كل ما يتعارض مع مبادئهم، حتى لو لم يكن هناك من يراقبهم".
التوعية المجتمعية.. دعم الإعلام والمؤسسات الدينية لترسيخ القيم
تزداد الحاجة اليوم إلى دور فاعل للإعلام والمؤسسات الدينية في مواجهة تأثيرات المسلسلات الأجنبية. ويرى الأستاذ محمود، أخصائي التربية، أن "المؤسسات الإعلامية والدينية يجب أن تعمل على تقديم برامج تعزز القيم الروحية، وتوضح أهمية التمسك بالعادات الأصيلة، من خلال تسليط الضوء على أهمية الوازع الديني في حياة الشباب". ويقترح إنشاء برامج توعوية تُعزز من حضور القيم الدينية في الحياة اليومية للشباب، وتقدم نماذج إيجابية ترسخ لديهم الفهم الصحيح للحرية الشخصية ضمن إطار الدين والمجتمع.
كما يرى أن على خطباء المساجد والأئمة أن يقوموا بدور توعوي يوجه الشباب نحو الاعتزاز بقيمهم الإسلامية، ويوضح لهم الفرق بين ما يشاهدونه في المسلسلات وبين قيمهم الأصلية. تقول الدكتورة ندى، باحثة في الدراسات الدينية: "من المهم أن نؤكد أن الدين لا يرفض الحرية، بل ينظمها ويحدد إطارًا أخلاقيًا وسلوكيًا يضمن سلامة الفرد والمجتمع".
الوازع الديني والرقابة الذاتية.. أساس للحفاظ على الهوية والقيم
يشكل الوازع الديني أساسًا للرقابة الذاتية التي تتيح للفرد الالتزام بقيمه الدينية والأخلاقية، وتعمل على توجيه سلوكه حتى في غياب الرقابة العائلية. يقول الأستاذ سامي، مختص في الدراسات الاجتماعية: "الرقابة الذاتية المدعومة بالوازع الديني تتيح للشباب فهم القيم التي نشأوا عليها، وتجعلهم قادرين على التصدي للتأثيرات السلبية للمسلسلات الأجنبية". ويضيف: "على الأسرة أن تحرص على غرس هذه القيم الدينية منذ الصغر، لأن الشخص الذي يمتلك وازعًا دينيًا قويًا، يستطيع التمييز بين الحق والباطل في ظل التأثيرات الثقافية الخارجية".
وتشير السيدة هند، أم لأربعة أبناء، إلا أنها تحاول أن توضح لأبنائها أهمية الوازع الديني كخط دفاع أول عن هويتهم، وتقول: "الوازع الديني يساعد أبنائي في تكوين شخصيات مستقلة تستطيع اتخاذ القرارات الصائبة، والوقوف أمام المؤثرات الثقافية، دون أن تؤثر في هويتهم".
دور الإعلام في التوعية الدينية.. محتوى هادف يعزز القيم
يمكن للإعلام المحلي أن يؤدي دورًا محوريًا في تعزيز القيم الدينية من خلال تقديم برامج ومسلسلات تجمع بين الجوانب الروحية والثقافية، لتكون بديلاً إيجابيًا عن المسلسلات الأجنبية التي قد تحمل أفكارًا تتعارض مع القيم. يقول الأستاذ خالد، مختص في الإعلام الديني: "يجب على الإعلام أن يقدم محتوى هادفًا يمزج بين الترفيه والتعليم، ويعزز من القيم الدينية والاجتماعية في آن واحد، مما يسهم في بناء وعي قوي لدى الشباب يحميهم من التأثر السلبي".
كما يقترح خالد تنظيم حملات إعلامية مشتركة بين المؤسسات الدينية والتعليمية، تهدف إلى التذكير بأهمية الوازع الديني وضرورة الالتزام به كجزء من الهوية الثقافية. ويرى أن وجود قنوات إعلامية متخصصة في تعزيز القيم الدينية يمكن أن يوفر للشباب محتوى مسليًا يثريهم بالقيم، ويساعدهم على فهم مكانة الدين في حياتهم اليومية.
التوازن بين الحداثة والهوية الأصيلة
لا شك في أن المسلسلات الأجنبية تترك أثرًا على المجتمع الأردني، إلا أن هذا الأثر يمكن مواجهته من خلال تعزيز القيم الدينية والرقابة الذاتية والعائلية. إن التوازن بين الانفتاح والتمسك بالقيم هو ما يحتاجه الشباب ليكونوا قادرين على الاستفادة من الثقافة العالمية دون التأثير في هويتهم.