تصاعد القلق من تأثير الاستيراد على الصناعات المحلية
أخبار اليوم - في ظل توسع السوق المفتوح وزيادة استيراد البضائع من الخارج، برزت تساؤلات عديدة حول ما إذا كان هذا التوجه يأتي على حساب الصناعات الوطنية. مع فتح الأبواب أمام المنتجات المستوردة بأسعار تنافسية، يشعر الكثيرون أن الصناعة الوطنية باتت تواجه تحديًا أكبر في ظل هذه المنافسة غير المتكافئة، مما قد يؤدي إلى تراجع الطلب عليها وضعف قدرتها التنافسية. همُّ الصناعيون الأردنيون الآن هو كيفية الصمود أمام هذه المنافسة الشرسة وتحدياتها العديدة.
تجار: "الاستيراد خيار اقتصادي لكن الصناعات المحلية تعاني"
من جهة أخرى، يؤكد بعض التجار أن السوق المفتوح يوفر لهم خيارات أكثر من حيث التنوع والسعر، مما يُرضي شريحة واسعة من المستهلكين الذين يبحثون عن جودة جيدة بأسعار معقولة. يقول أحمد الشرفات، صاحب متجر للملابس في عمان: "في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، يبحث الناس عن المنتج الأرخص بغض النظر عن مصدره. السوق الحر يتيح لنا استيراد منتجات تناسب الجميع، لكنه أيضًا يضع الصناعات المحلية في موقف صعب، إذ لا تستطيع مجاراة الأسعار المستوردة".
الصناعيون: "نواجه صعوبات كبيرة في ظل المنافسة الخارجية"
الصناعيون المحليون يرون أن السوق الحر يُضعف من القدرة التنافسية للصناعات الوطنية، حيث تتزايد التحديات المرتبطة بارتفاع تكاليف الإنتاج، لا سيما في مجالي الطاقة والضرائب.
يُضطر المنتجون المحليون إلى رفع أسعارهم لتغطية هذه التكاليف، مما يُضعف من جاذبية المنتجات الوطنية في مقابل المنتجات المستوردة، التي غالبًا ما تحظى بدعم بلدانها في مجالات الطاقة، الضرائب، وتعزيز الصادرات. يقول مدير مصنع للمنتجات البلاستيكية: "تكلفة الطاقة والضرائب المرتفعة تؤثر بشكل مباشر على قدرة المصانع على الإنتاج بكفاءة، مما يجعل من الصعب على المنتج الوطني منافسة الأسعار المستوردة".
مواطنون: "ندعم المنتج الوطني ولكن السعر هو الفيصل"
رغم تفضيل بعض المواطنين للمنتجات الوطنية، إلا أن الأسعار المرتفعة تجعلهم يميلون إلى شراء المنتجات المستوردة. تقول ليلى أبو حسان، موظفة في قطاع الصحة: "نحب أن نشتري المنتجات الوطنية؛ لأنها تمتاز بجودة أعلى، لكننا في كثير من الأحيان نجد أن الأسعار لا تتناسب مع ميزانيتنا الشهرية".
بينما يرى أسامة الزعبي، معلم مدرسة، أن "المنتجات الوطنية تحتاج إلى دعم حكومي لتخفيض تكاليف الإنتاج، خاصة فيما يتعلق بالطاقة والضرائب، حتى تتمكن من منافسة المنتجات المستوردة بأسعار مناسبة".
واجب الدولة في حماية المنتج الوطني
يرى خبراء الاقتصاد أن حماية المنتج الوطني من واجبات الدولة الأساسية، فهو لا يضمن فقط استمرارية الإنتاج المحلي، بل يعزز أيضًا الاكتفاء الذاتي، السيادة الصناعية والاقتصادية، والاستقرار على المدى الطويل. الدول القوية هي تلك التي تمتلك منظومة متكاملة من التعليم، الصحة، الصناعة، والزراعة. تعزيز هذه القطاعات الأربعة يمنح الدول القدرة على مواجهة الأزمات، توفير فرص العمل، وتحقيق التنمية المستدامة.
الصناعات الوطنية: الجودة والمأمونية
تمتاز الصناعات الوطنية بمأمونية كبيرة وجودة عالية، مما يجعلها محل ثقة المستهلكين محليًا وخارجيًا. هذه الجودة الموثوقة تعد من عوامل التفوق والتنافسية التي يمكن البناء عليها، لتعزيز حضور المنتجات الوطنية في الأسواق، بشرط توفير الدعم اللازم للتغلب على التحديات التي تواجهها حاليًا.
مطالبات بمعاملة تجارية عادلة
ظهرت في الآونة الأخيرة مطالبات للصناعيين تطالب بتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل بين الأردن وباقي الدول، وذلك لضمان عدالة المنافسة التجارية. يعتقد الصناعيون أن هذا الإجراء سيعزز من تنافسية المنتجات الوطنية، خاصة في ظل وجود قيود ومعيقات تفرضها بعض الدول على الصادرات الأردنية، مما يجعل من الضروري تطبيق سياسات مماثلة على المنتجات المستوردة.
مستوردات ببدائل وطنية
كما يطالب الصناعيون بإعادة ضبط المستوردات، إذ توجد العديد من المستوردات التي لها بدائل وطنية ذات جودة مماثلة أو أفضل.
فعلى سبيل المثال، تُستورد العديد من المنتجات الغذائية من الخارج، رغم توفرها بكثرة في السوق المحلي، مما يعكس التحدي الكبير الذي تواجهه الصناعات الوطنية. يرى الخبراء أن التركيز على تعزيز هذه البدائل المحلية يمكن أن يُسهم في تخفيف الاعتماد على المنتجات المستوردة، وبالتالي تحسين وضع الصناعة الوطنية وزيادة فرص تسويقها محليًا وخارجيًا. يُعتبر الاعتماد المفرط على المستوردات سلبيًا على الاقتصاد الوطني، مقارنة بالصادرات الوطنية للخارج أو حتى الاعتماد على الصناعات المحلية لتحقيق شبه اكتفاء في الأسواق.
الميزان التجاري غير المتوازن
يشير الخبراء إلى أن الميزان التجاري مع كثير من البلدان الأخرى غالبًا ما يكون غير متوازن وغير لصالح الأردن، مما يؤدي إلى ارتفاع المستوردات بشكل كبير مقارنة مع الصادرات. هذا الوضع يزيد الأعباء على الاقتصاد الوطني، ويعزز الحاجة إلى اتخاذ إجراءات لدعم الصادرات وتقليل الاعتماد على المنتجات المستوردة.
دولة الإنتاج والاعتماد على الذات
في السنوات الأخيرة، نادى الأردن بتحقيق دولة الإنتاج والاعتماد على الذات كجزء من رؤيته الاقتصادية الوطنية. ولكن يتساءل الكثيرون: أين أصبحت هذه الرؤى؟ وما هي الاستراتيجيات الفعلية التي وضعت لتحقيقها؟ يشير خبراء إلى ضرورة إعادة تقييم الوضع وتحديد آليات واضحة لتعزيز هذه الرؤية، مع تطبيق سياسات داعمة تضمن تحقيق الاكتفاء الذاتي وتقوية الصناعات الوطنية.
بيئة داعمة للاستثمارات
يشير الخبراء إلى أن جذب الاستثمارات من الخارج يتطلب بيئة داعمة لنجاحها، تشمل التسويق الداخلي للمنتجات وتعزيز قدرتها على التنافس في الأسواق الخارجية. لتحقيق هذا، يجب إعادة النظر في العديد من الأمور مثل التشريعات والقوانين لتسهيل وتسريع جذب الاستثمارات، وتوفير مناخ استثماري يتماشى مع متطلبات السوق العالمي.
سياسات اقتصادية وتشريعية داعمة
لتعزيز الصناعات المحلية وضمان تفضيلها في السوق، لا بد من وضع سياسات اقتصادية وتشريعية تمنح المنتجات المحلية الأفضلية. مثل هذه السياسات يمكن أن تشمل تحفيز الشركات المحلية عبر تخفيض الضرائب وتقديم تسهيلات ائتمانية وإعفاءات جمركية على مدخلات الإنتاج، وإعطاء الأفضلية للمنتجات الوطنية في العقود والمناقصات الحكومية، مما يزيد الطلب عليها، ويعزز قدرتها على المنافسة. حماية الأسواق المحلية من خلال فرض رسوم جمركية على المنتجات المستوردة ذات البدائل المحلية، مع التركيز على تشجيع التصنيع المحلي، تعزيز الوعي الاستهلاكي بأهمية دعم المنتجات المحلية، عبر حملات توعية تُظهر جودة المنتجات الوطنية ومأمونيتها، وتعزز الفخر الوطني بالصناعة المحلية وتطبيق هذه السياسات من شأنه تقوية الصناعات المحلية، تعزيز تنافسيتها في الأسواق، وتحقيق نمو اقتصادي مستدام.
هل الدعم الحكومي هو الحل لتعزيز الصناعة الوطنية؟
تتصاعد المطالب بتدخل حكومي أكبر لدعم الصناعات المحلية من خلال تخفيض الضرائب، توفير تسهيلات ائتمانية، وخفض أسعار الطاقة، مما سيمكن المصانع من تقديم منتجاتها بأسعار تنافسية. يُشير بعض الخبراء أيضًا إلى ضرورة فرض رسوم إضافية على المنتجات المستوردة لحماية المنتج المحلي، مع إطلاق حملات توعوية تشجع المستهلكين على تفضيل المنتجات الوطنية.
مستقبل الصناعات المحلية في ظل السوق الحر
يبقى السؤال عن مستقبل الصناعات الوطنية مطروحًا بقوة، خاصة مع استمرار ارتفاع تكاليف الإنتاج محليًا وتزايد المنافسة الخارجية. يُجمع مراقبون على أن تعزيز الثقة بالمنتج المحلي يحتاج إلى جهود حكومية وشعبية متكاملة وضمان سياسات اقتصادية وتشريعية داعمة، لتحقيق توازن حقيقي في السوق يدعم الصناعة الوطنية ويعزز الاقتصاد المحلي بشكل مستدام.