مشاركة الأسرار أم كتمانها .. أيهما أفضل للصحة النفسية والجسدية؟

mainThumb
مشاركة الأسرار أم كتمانها.. أيهما أفضل للصحة النفسية والجسدية؟

26-10-2024 02:47 PM

printIcon

أخبار اليوم - نشرت مجلة "ديسكفر" تقريرا يتناول التأثير النفسي والجسدي لكتم الأسرار، مشيرة إلى أن هذا الأمر يتطلب جهدا ذهنيا كبيرا، قد يؤثر على التركيز وعلى إدراك الإنسان للعالم من حوله.

وقالت المجلة في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"؛ إن السر شيء لا يمكنك رؤيته أو لمسه، ولا يشغل حيزا في العالم المادي، لكن يمكنك أن تحمله لسنوات أو حتى لعقود، ويمكن أن "يثقل كاهلك" بشكل ملموس، لدرجة أنك تحتاج إلى "إزاحته عن صدرك".

وقد تساءل مايكل سليبيان، الأستاذ المشارك في كلية كولومبيا للأعمال، وأحد أبرز الخبراء العالميين في مجال السرية، حول حقيقة هذه الاستعارات، وهل هي مجرد تشبيهات مجازية؟ أم إن الأشياء التي نخفيها تشكل حقّا عبئا ملموسا؟

دراسة الأسرار

في دراسة أجراها في هذا الصدد، طلب سليبيان من مجموعتين من الناس، أن يفكروا في سر كبير بالنسبة للمجموعة الأولى وسر صغير في الأخرى، ثم عرض عليهم صورة لمنحدر عشبي، وسألهم عن مدى انحداره.

كان الانحدار يبلغ في الواقع 25 درجة فقط، لكن تحت وطأة الضغط النفسي، رأى المشاركون من المجموعة الثانية منحدرا بدرجة 33 درجة في المتوسط، بينما رأى أولئك الذين احتفظوا بسر كبير منحدرا بدرجة 46 درجة في المتوسط.

وحسب سليبيان، فقد أصدر المشاركون أحكامهم كما لو أنهم كانوا مثقلين جسديّا، وقد كانوا كذلك بكل المقاييس.

ثقل السرية

قام كل من جولي لين ودانييل ويغنر، عالما النفس بجامعة فيرجينيا، بتجربة في سنة 1995 أخفيا فيها سرّا كلمة "جبل".

طلبا من المشاركين إخفاء الكلمة المستهدفة، بينما يحاول شخص ما استخراجها منهم، كما طلب منهم في الوقت ذاته حفظ عدد مكون من تسعة أرقام. وكما هو متوقع، احتاج الأمر جهدا إدراكيّا لعدم البوح بكلمة السر، ومن ثمّ وجد المشاركون صعوبة أكثر من المعتاد لتذكر الأرقام، وخلص الباحثان إلى أن الاحتفاظ بـ"السرية عمل شاق".



لكن كلمة "جبل"، كونها كلمة اعتباطية، افتقرت إلى الشحنة العاطفية التي ينطوي عليها السر الحقيقي، كما أن زمن كتمانها لم يكن واقعيا؛ ففي الواقع، يحتفظ الناس عادة بأسرارهم المهمة لمدة عقد من الزمان.

وعندما عثر سليبيان على ورقة لين وويغنر البحثية بعد عقدين من الزمن، وجد سطرا يشير إلى نقلة نوعية، يقول فيه الباحثان؛ إن "السرية هي شيء يمكن للمرء أن يفعله بمفرده في غرفة".



على خطاهم، أدرك سليبيان أن التأمل هو الشكل الافتراضي للسرية، وبغض النظر عن مدى صعوبة مراقبة نفسك لكتم الأسرار، فإنك لست مضطرا لذلك؛ لأن مقدار الوقت الذي يقضيه الناس في التفكير في أسرارهم، لا يتناسب مع الوقت الذي يقضونه في إخفائها، وربما يتطلب السر شخصا آخر للمساعدة في كتمانه.

هنا يكمن العبء الحقيقي، فالأمر لا ينتهي إلا عندما نكشف عن السر، والعقل لا يطيق أن يُبقي الأمور معلقة، بل يستمر في التفكير في الأمر والبحث عن حلول.

ثلاثة عوامل تحدد ماهية الأسرار

أضافت المجلة أن هناك ثلاثة عوامل تحدد ماهية السر: ما إذا كنا نعدّه غير أخلاقي، وما إذا كان يتعلق بأشخاص آخرين، وما إذا كان مرتبطا بأهدافنا.

هذه هي "أبعاد السرية"، وهي الأنماط الأساسية للتصنيف التي ظهرت عندما طلب سليبيان من الناس تصنيف عشرات الأسرار، بناء على أوجه التشابه بينها، وكتب أنها "تحمل في مجموعها المفتاح لفهم الكيفية التي تؤذينا بها أسرارنا، وكيف ينبغي لنا أن نتعامل مع تلك التحديات".

عندما نفعل شيئا خاطئا نشعر بالخجل، ويمكن أن يؤدي هذا الخجل إلى الشعور بانخفاض قيمة الذات؛ وعندما تكون أسرارنا فردية، نشعر بالانفصال عن الآخرين؛ وعندما لا تخدم هدفا ما، لا يمكننا أن نجد تفسيرا لهذه الأسرار، لأنها ترتبط بالعاطفة وليس بالمنطق.



ويمكن عادة أن نستفيد من أسرارنا، فإذا كنت ترى أنه غير أخلاقي، فاعقد العزم على عدم تكرار تلك الأخطاء، وإذا كنت تشعر بالعزلة، ففكر في كيفية استفادة الآخرين منه، وإذا لم تستطع رؤية الأساس المنطقي للاحتفاظ به، فابحث أكثر.

من أين تأتي الأسرار؟

ماهي الأسباب التي تجعل منا كتومين إلى هذا الحد؟ قد يكون التقدم المعرفي الحاسم في هذا الشأن مرتبطا بنظرية العقل، أي إدراك أن الآخرين لديهم معتقدات ورغبات ونوايا مختلفة عن معتقداتنا ورغباتنا ونوايانا، وهذا يقودنا إلى التفكير بأننا نعرف أشياء يجهلها الآخرون.

منذ الطفولة، يبدأ الإنسان بكتم الأسرار، فهو ينكر مثلا أنه أكل الكعكة التي تظهر آثارها على أسنانه الملطخة بالشوكولاتة، لكن قدرته على الكتمان تتطور تدريجيّا، خاصة عندما تصبح الأسرار مفيدة في الحياة الاجتماعية.

وقد اتضح أن الأسرار تربطنا بعضنا ببعض بقدر ما تعزلنا، فقد وجدت دراسة نُشرت في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أن الناس يشعرون بالقرب من الأصدقاء الذين تبادلوا معهم معلومات سرية.

إفشاء السر أم كتمانه؟

أشارت المجلة إلى أن البوح بالأسرار ليس أمرا سهلا، بل يسبب الكثير من الحيرة، لذلك إذا كان سرك لا يؤثر على أي شخص آخر، فغالبا ما يكون من الأفضل البوح به لشخص تثق به، ومن شبه المؤكد أنهم سيستجيب بتعاطف، ويقدم لك الدعم والمشورة.

لكن الأمور تصبح أكثر صعوبة عندما يؤثر السر على شخص آخر، وفي هذه الحالة قد يريحك البوح به، ولكنه يؤثر سلبا على الآخرين.



واختتمت المجلة بأن الإجابات ليست دائما واضحة ومباشرة، ولكن يمكنك الوصول إلى حل وسط بالاحتفاظ بأسرارك والبوح بها أيضا، وذلك من خلال التحدث إلى شخص موثوق والحصول منه على وجهة نظر عامة، دون الخوض في التفاصيل.